كيف نتغلّب على الجرائم

من وحي شهر الربيع الأول
12 نوفمبر, 2020
التطبيع والقيم الإنسانية
12 نوفمبر, 2020

كيف نتغلّب على الجرائم

يواجه العالم اليوم الفساد والتطرف والإرهاب في الأرض على نطاق أوسع، لذلك يعيش العالم البشري كله في قلق واضطراب وشقاء وتعاسة، أهل الحكومات وممثلو دول العالم يبذلون قصارى جهودهم لاستئصال هذا الفساد والإرهاب والتطرف وإزالة الفواحش والمنكرات والجرائم المتنوعة ولكن لا ينجحون في أهدافهم لماذا؟ لأنهم لا يبحثون عن أسبابها ودوافعها ولا يحاولون على التغلب عليها والقضاء عليها.

لاشك أن الإرهاب فتنة من الفتن الكبرى ومن الجرائم التي لابد لنا أن نركّز اهتمامنا عليها ونفكر في علاجها وحلها والمتطرفون من غير المسلمين يتهمون الإسلام والمسلمين بها ولكن في الحقيقة أنهم لا يعرفون عن الإسلام وتعاليمه النبيلة وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من خير وحب وفضيلة ورحمة للإنسانية.

إن الظروف التي يعيشها المسلمون اليوم تهدد بكيان الأمة شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً ويتهمون بالأصولية والتطرف بل يوصف الإسلام بأنه لا يساير الزمان مع أن الإسلام دين سماوي كامل يشمل جميع نواحي الحياة البشرية.

الإسلام دين الأمن والسلام، دين الحب والمواساة، دين الرحمة والشفقة، دين الفلاح والصلاح، يدعو إلى الرحمة والرأفة بالإنسانية جمعاء حتى بالحيوانات كما تدل عليها الأحاديث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتّقوا في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة وكلوها صالحة (رواه أبو داود) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليُحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته (رواه مسلم).

إن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها دروس وعبر ونماذج للرحمة والرفق بالناس واحترام سائر الأديان واحترام كرامة الإنسان، وهذه تتجلى في سيرته والآيات القرآنية فقال صلى الله عليه وسلم ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، وجاء في سورة الإسراء “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” [الآية:70] وفي موضع آخر “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ” [آل عمران:159].

كذلك الحوادث التي تحدث الآن في الهند بالنسبة للاغتصاب الجماعي أو الهجوم الجماعي أليس هذا من الإرهاب؟ وفرنسا تسيء إلى شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وتصنع صوراً هزلية للرسول وتعلقها على جدران المكاتب والمدارس وتصر عليها أليس هذا من الإرهاب؟

إن الجريمة إذا وقعت في أي بلد فيؤخذ المجرمون ويعاقبون وتصدر من الحكومة عقوبات صارمة وغيرها ولكن لا تكفي هذه العقوبات لمنع المجرمين عن الجنايات بل الجنايات والجرائم تزداد لأن الحكومة لا تسعى للبحث عن أسبابها وعللها وإزالة عواملها ودواعيها التي تؤدي إلى هذه الجرائم إننا نرى أن الفتيات والفتيان يرون مناظر قبيحة، مناظر الخلاعة والمجون على الشبكة العالمية وعلى وسائل الإعلام من التواصل الاجتماعي ويوتيوب وتنشرها هذه الوسائل على نطاق أوسع ثم تتوقع أن تتغلب عليها لا يمكن أبداً، مستحيل، لذلك تفيدنا الأنباء الواردة كل يوم أن هذه الجرائم تزداد يوماً فيوماً بل تختار طرق مختلفة وأساليب متنوعة لاقتراف هذه الجرائم، ويجعل الأولاد صديقات وعشيقات وتجعل البنات أصدقاء وعشاقاً ثم يتفرجون معاً ويقضون ليالي ويفعلون ما يشاؤون بدون رادع خلقي، أصبح مجتمعنا هكذا فكيف يرجى توقفها، القرآن الكريم نهى عن هذه الأسباب والعلل قبل أربعة عشر قرناً فقال تعالى: “الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ” [المائدة:5]، “وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ” [النساء:25]، من أراد التفصيل فليراجع إلى تفسير هذه الآيات، وكذلك التأخير في الزواج أيضاً من أسباب الاغتصاب الجماعي، قصارى القول أنه لا يمكن التغلب على الجرائم إلا بالتغلب على الأسباب والمنع عن دواعيها ووسائلها أو بتنفيذ العقوبات الإسلامية والحدود الشرعية.

 

د/محمد وسيم الصديقي الندوي

×