ولد الهدى فالكائنات ضياء

رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأطفال
12 نوفمبر, 2020
من وحي شهر الربيع الأول
12 نوفمبر, 2020

ولد الهدى فالكائنات ضياء

إن هذا الشهر شهر مبارك شهر عظيم، شهر ربيع الأول الذي ولد فيه رسول الرحمة والهداية وربيع الإنسانية الذي بعث رحمة للعالمين، وفاحت فيه الأرجاء بذكرى عطرة، وحمل لنا من الذكريات أغلاها، ومن العبر والدروس ما لو تمسكنا به لكان خيراً لنا وأعظم أجراً، كلما هلّ علينا هذا الشهر من كل عام هبت رياح الإيمان واليقين ونسائم الحياة الإنسانية والعلم السليم، وانجلت سحب الجهالة والضلالة وتبددت الظلمات، وطلع على الإنسانية هلال ربيعها ببشرى مولد عظيم جاء بأسوة حسنت كاملة للإنسانية جمعاء إلى يوم القيامة تشمل كل ناحية من نواحي الحياة البشرية وأتى بدستور كامل وعدل تام في ضوء كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

مما لاشك فيه أن رسولنا العظيم جاء بأغلى وأعلى هدية من عند الله عز وجل ألا وهو العلم، وأسس عليها حياة الإنسانية السعيدة فكان أول ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم هو القراءة ولا قراءة عامة بل هو قراءة تكون مربوطة ومقرونة باسم الرب الخالق العظيم والكتاب العظيم الذي أنزل عليه كدستور خالد ومنهج جامع كامل عادل للحياة والكون.

ولقد كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم رحمة لقومه ورحمة للبشرية كلها وجاء الإسلام لينادي بإنسانية واحدة تذوب فيها الفوارق والعصبيات وليسوي بين جميع الناس أمام القضاء والقانون في الوقت الذي كانت البشرية تفرق الناس طبقات وتجعل لكل طبقة قانوناً بل تجعل إرادة السيد هي القانون في عهد الرق والإقطاع فكان غريباً على ضمير الإنسانية يوم ذاك أن ينادي ذلك المنهج السابق المتقدم بمبدأ المساواة المطلقة أمام القضاء.

كذلك كان من مآثر البعثة النبوية إقرار المثل الخلقية، وإثبات كرامة الإنسان مهما كان نوعه وطبقته وأصله وجنسه وعلمه ووضعه الاقتصادي وصرّح بذلك القرآن الكريم “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” [الإسراء:70].

وكذلك رفع الرسول صلى الله عليه وسلم مكانة العلم والتفكير والتدبر وقد أكدت على هذه العناصر التي كانت مفقودة في ذلك العصر آيات كثيرة وحثت على السياحة في الأرض والالتقاء بأفراد المجتمعات الأخرى والاستفادة والإفادة والاعتبار بما لقيته الأمم السابقة من عواقب ضلالها، والتدبر في آيات الله وهي كثيرة ومنبثة في الكون، لذلك ارتبطت العبادة في الإسلام بالعلم، وغلب الشغف به وأقبل المسلمون عليه غاية الإقبال حتى أصبح سمعة المجتمع الإسلامي.

إن مآثر الرسول صلى الله عليه وسلم على الإنسانية كثيرة لا تعد ولا تحصى وأن العالم المتحضر يدين كثيراً لتعاليمه في ميادين كثيرة وقد وصفه القرآن الكريم برحمة للعالمين وستستمر مآثره وتأثيره على سير العالم مدنياً له وسيبقى العالم مديناً له، وقد بعث في حالة احتضار الإنسانية، ولذلك بقاء هذه الإنسانية أيضاً مدنياً له بهذا الاعتبار، ربيع الأول الذي يحتفل به المسلمون في سائر أنحاء العالم ويتذكرون فيه تعاليمه وفضله ومنته كان جديراً بأن يحتفل به العالم كله لأن فضله عام على الإنسانية كلها.

وبقدر عمومه وعظمته وضخامة مسئوليته لابد أن تكون ذكراه دائمة وملازمة لكل مسلم في كل حاله، في حله وترحاله ويقظته ونومه وحركاته وسكناته وأقواله وأفعاله وسلوكه ولا ترتبط بيوم ولا بأسبوع ولا شهر ولا بوقت معين محدود، لكن مع الأسف الشديد نحن المسلمين اليوم نحسب بأننا قد أدينا الواجبات وتبرأنا من المسئوليات نحو ذكرى الرسول وربيع الإنسانية بعقد الحفلات وإلقاء الخطب وتوزيع الحلويات وإضاءة المساجد والبيوت وإنشاء القصائد والمدائح النبوية.

لا كلا ليس ذلك كله من واجباتنا نحو نبينا الكريم الذي ظل طول حياته متواصل الأحزان دائم الفكرة طويل السكت، ليست له راحة لأجل أمته.

إن الأمة الإسلامية اليوم في أمس حاجة إلى التغيير والرجوع إلى القرن الأول بعد أن أصبحت في فتن كقطع الليل المظلم ولن تنقشع ظلمات الفتن إلا بالصحوة من الغفلة بل من السبات العميق وبالرجوع إلى تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم وإحياء هذه الذكرى لا يتحقق إلا بحسن التأسي والامتثال الكامل لأوامر الله ورسوله ومحاسبة النفس،ولو اتبع المسلمون هدى نبيهم ومنهجه لخرجوا من ظلمات الجهل إلى نور العلم ومن ظلمات الشك إلى نور اليقين، ومن ظلمات الذلة إلى نور العزة فهل من رجوع إلى النور قبل أن يعم الظلام الدامس والليل الحالك والحق أن كل ما نعاني اليوم من مصائب وشدائد وما نواجه من البلايا والأمراض والأوبئة ومن تتابع نزول المحن والفتن والذلة والتخلف في كل مجال من مجالات الحياة ليس كل ذلك إلا نتيجة لابتعادنا عن الكتاب والسنة.

 

محمد قيصر حسين الندوي

×