الحلم منبع السعادة

التخطيط والتعاون في العمل الدعوي
7 يناير, 2020
بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية
17 فبراير, 2020

الحلم منبع السعادة

أخي العزيز

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لعلك -أيها الأخ-اطلعت على كثير مما يتضمن للحياة الإنسانية السعادة والهناء، ومن أهم ما يجعل الحياة جنة تحفها عواطف الأخوة والمودة والسلام، الحلم والأناة، فإنه يزيد الإنسان جمالاً وكمالاً، ويزيد في علمه وعمله، ويكثر أنصاره، ويقلل أعداءه، ويتوصل بصاحبه إلى أرفع درجة من منازل الرقي والازدهار، فإن الحلم ما قرن إلى شيء إلا زانه، وإذا قرن إلى علم زاده قدراً وقبولاً عند الناس، كما أن الجهل يؤدي بالإنسان إلى النتائج الوخيمة، لذلك أكد القرآن الكريم والتعاليم النبوية الكريمة على اتخاذ الحلم والأناة في كل ناحية من نواحي الحياة، ونهى رسولنا صلى الله عليه وسلم عن التسرع وترك الحلم في بتِّ الأمر، والتعجُّل في الحصول على نتيجة العمل.

سئل قيس بن عاصم عن الحلم فقال: أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، وذلك لأن الحلم يلعب دوراً هاماً في بقاء الوحدة الإسلامية، وسلامة بيئة الأخوة، وقطع دابر الفساد والتشاجر الذي يؤدي إلى التشاتم فالتخاصم فالتناحر أحياناً، فقد قالت الحكماء قديماً: إياك وعزة الغضب، فإنها تصيرك إلى ذل الاعتذار.

وإنك –أيها الأخ-قد رأيت وترى المجتمع الإسلامي قد بعد عن هذا المنهاج النبوي السليم، وترك الحلم، واختار التسرع والتعجل في جميع الأمور حتى عمت هذه البلية في الأوساط الدعوية والتعليمية، فنشاهد اليوم العاملين في شتى حقول الدعوة قد تفككت عراهم، وتراخت عقد الارتباط فيما بينهم، فحدثت بينهم الفجوة، وفقد العمل الجماعي والروح المسلمة المتدفقة بالرحمة والرأفة والممتلئة بالحب والحنان وإيثار مصلحة الآخر، ففقد بفقده تأثير الدعوة التي تحتاج إلى شيء كبير من الترابط والتناصر، وإلى شيء كبير من الجهد البالغ لإنشاء الجو الذي كان من سماته البارزة: الحلم والصبر كما أننا نحن المسلمين اليوم نتمنى نتائج الدعوة أكبر من الجهود التي بذلناها وقبل أوانها، فإذا لم نجد النتائج المرجوة نعود آسفين من العمل الذي نقوم به، لأن التسرع يورث الإنسان فعلاً اليأس والقنوط والندامة في العمل، فلابد من أن يكون عمل الداعي مصحوبًا بالحلم، لأن العمل بدون حلم لا يترتب عليه حسن النتيجة، والحلم لا تكون نتائجه إلا حسنة محمودة:

إني أرى الحلم محموداً عواقبه

والجهل أفنى من الأقوام أقواماً

ولقد أضر الجهل والتسرع في الأمور بالعمل الدعوي اليوم أكثر من غيره، رغم أن الإسلام حرض أتباعه على تحمل الشدائد،وتجرُّع المرائر، والكلام الغليظ إذا كان في صالح المهمة الدعوية، لذلك حث القرآن على التجلد والصبر، والمصابرة.

ولكن –أيها الأخ-مما يدعو إلى الأسف أن قل في الأوساط الدعوية عدد الذين يصبرون على الأذى وتجرع المرائر، فتأخر لذلك الركب الدعوي، وجمد سيره، وتوقف انتشاره، على أن الإسلام انطلق من أول يومه مؤكداً على إنشاء ملكة التحمُّل، ومدح الذين اتصفوا بهذه الصفة، واعتبره إحدى دعائمه المتينة، ويتجلى ذلك في قصة سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه، الخليفة القوي في أمره ونهيه، الذي سارت هيبته في الشرق والغرب، وملأت جرأته وشهامته الآفاق، الذي خضع له الملوك والأمراء، ودانت له البلاد، وقف عمر خطيباً على المنبر يحث الناس على التوحيد والقيام بالعدل والإحسان إلى الناس حتى قام بعض الأعراب وقال: يا ابن الخطاب عليك أن تجيب أولاً عن سؤالنا وإلا نخلع عن طاعتك، من أين لك ما نراه على جسمك من الثوبين ولم يكن لنا إلاً واحد؟ فتصبر ولازم الحلم، وقال عمر بكل هدوء وسكون: أما الواحد منه فهو لي كمثلكم، وأما الآخر فقد أعطانيه ابني عبد الله إذ أنه غير حاجة إليه، ثم قال ذلك القول البليغ الذي يستحيل صدوره من غير عمر رضي الله عنه: “سيكون الإسلام مستمراً في الآفاق ما دام في الأمة مثل هذا الرجل”.

(محمد خالد الباندوي الندوي)

×