Test
29 سبتمبر, 2021العمل الإسلامي يحتاج إلى المنهج الإسلامي الأصيل
إن كل إنسان رزقه الله قوة وصلاحية؛ بل كل مولود وموجود على الأرض، يتسم بطبيعة النمو والتطور، فينتقل من حال إلى حال آخر، مستمداً من التجارب والاعتبار بما يمرّ به من الأحداث وسلوك الناس معه، ووسائل التربية المتوفرة في البيئة التي يعيش فيها، أوالجوّ الذي يتغذى فيه، وهذه ظاهرة طبيعية مشهودة لا تحتاج إلى دليل أو برهان، فيبدأ حياته بالمحاكاة، ثم يتطور عقله وفهمه؛ فيفكر ويشعر، ويتصرف في الأمور بعقله وشعوره، ويخرج من دور المحاكاة والتبعية،والتقليد، ويميز بين ما هو خير، وما هو شرّ، وبين صديق وعدوّ.
ولكن بعض النفوس رغم ثقافتهم وعلمهم وعقلهم، يختلف عن هذه الكلية أو الطبيعة الإنسانية رغم الادعاء أن هذا العصر هوعصر العقل والفكر، ورغم قبول العلم الحديث لفلسفة التطور والدعوة إلى البحث والتجربة، وقياس الأمور على أساس التجربة لا التقليد .
إن دراسة الأوضاع العالمية تدل على أن عنصر التقليد والمحاكاة والتبعية غالب اليوم رغم انتشار العلم ووسائل الرقي والتطور، في مجالات الحياة وأشكالها المتنوعة، وفي النظام التعليمي، وفي الكيان الاجتماعي، وفي جميع المنشآت ومرافق الحياة، فلا تجد بلداً نامياً رغم مرور مدة طويلة للاستقلال والحرية إلا نسخة طبق الأصل للنظم العالمية الكبرى وحضارتها، وقد تولدت من هذا الاعتماد الكامل طبيعة التبعية التي تتجلى،عن قصد وبغير قصد، في جميع تصرفات الزعماء والمثقفين في السياسة الوطنية والخارجية.
وإذا كان ذلك هو الحال في الدول التي ليست لها فلسفة الحياة ولا ثقافة خاصة ولا تاريخ ومدنية؛ فلا يستغرب ذلك، فإن الإنسان يتعلم من غيره، ويستفيد من تجارب من هو أفضل منه، وأكثر تجربة.
ولكن الغريب أن ذلك هو حال الدول الإسلامية التي لها فلسفة خاصة للحياة وتاريخ للحضارة طويل .
إن تصور التفوق الغربي لا يزال يسيطر على الأذهان، فلا تختلف هذه الدول في السياسة والاقتصاد والتربية الاجتماعية عن أي بلد آخر، حتى في البناء والثقافة العامة، لقد قدّم الجيل الذي نشأ في عهد الاستعمار فكر تقليد الغرب في كل مجال، ولكن التحرّر من الاستعمار والتجربة مع الغرب كان يقتضي إعادة النظر في هذه النظرية التقليدية؛ كان يقتضي التحرر من التبعية والخروج من دور المحاكاة والتقليد، ويؤدي هذا التقليد إلى تجميد القوى المبتكرة والمبدعة لتبعية الغرب تبعية كاملة كاسحة بدون استثناء شعبة من شعب الحياة بدلاً من تطوير الوسائل والإمكانيات المحلية، واستثارة الكفاءات الوطنية، ولمصلحتها الخاصة تجتهد الدول الغربية لتعميق وتوسيع هذا العنصر للتقليد والمحاكاة لتبقى سيطرتها على هذه الدول ولتمنع تطوّرها وتقدّمها.
كان أصحاب الأقلام والفكر الحديث درسوا تجارب أوربا العصرية لمعالجة القضايا الوطنية والاقتصادية والاجتماعية التي أجريت في جو خاص وظروف خاصة لا تتطابق مع طبيعة العالم الإسلامي، وتخرجت أجيال من الدارسين في المدارس العصرية على هذه الأفكار والنظريات، وقامت بعرض هذه المناهج بدون نقد وتمحيص، كان ذلك مقتضى الفترة الانتقالية، ولكن تجارب العالم الإسلامي مع الغرب في الفترة التي تلت الاستعمار،وقد انقضى زمن طويل على عهد الاستعمار، جرب العالم الإسلامي سلوك الدول الغربية معه سلوكاً مزدوجاً غير عادل، فكان يقتضي ذلك أن يولد جيل جديد يقيس الأمور برؤية جديدة، وفي منظور جديد، ويبتكر لبلاده وسائل ومناهج تلائم طبيعتها، وتناسب شعبها الأصيل .
ومن المؤسف أن بعض الحركات السياسية والثقافية والإسلامية أيضاً تختار طريق التقليد والمحاكاة للحركات الغربية، وتتبع مناهجها ووسائلها لحلّ القضايا، وتستخدم نفس المصطلحات والتعابير التي تستخدم في الغرب حتى في اللغة والأدب، فضلاً عن السياسة والاقتصاد فيصف بعض الأقلام الإسلام بنظرية أو أيديولوجية كنظريات أخرى،واستخدام مثل هذه التعابير يقتضي محاكاة النظريات والطرق الغربية بدلاً من استثمار الثروة الأصيلة والمنهج الأساسي لتربية النفس وإعداد الذهن وحل القضايا الوطنية في ضوء تعاليم الدين الحنيف، وتاريخه المجيد.
إن طبيعة الدين الإسلامي تختلف عن طبيعة النظريات السياسية، والعمل الإسلامي يختلف عن طبيعة الحركات والدعوات المادية، فإن الدين الإسلامي يقيس كل عمل بمقياس الباعث عليه، والوسائل والطرق التي تختار لتحقيقه، أما الحركات الأخرى فلا تنظر إلا إلى الهدف وحده والغاية، وإن الدين ينظر إلى النية وطريق العمل، وأن يستخدم للهدف الشريف المنطق الديني بطرق شريفة وبمقتضى طبيعة الدين، مهما تكن النتائج .
إن هذا التصور هو التصور المفقود في العمل الإسلامي اليوم، ولعل الخيبات التي يلاقيها العمل الإسلامي في مختلف أنحاء العالم الإسلامي ترجع إلى فقدان هذا العنصر، فمن واجبنا الأول أن تكون الدعوة الإسلامية وطرق عرضها، وطبيعة تطبيقها مطابقة لروح الدين،ومتطلبات الدين، بدلاً من مسايرة أو محاكاة الحركات العصرية، وتكون عظمة الله وقدرته مستحضرة كل وقت، والعمل لمجرد حصول رضاه، وتوثيق الصلة معه واستحضار حياة الآخرة، والاقتداء بالسلف في الدعوة والتربية، والاقتداء بالمنهج النبوي، والسير في نور هدايته، وعمل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، ومن تبعهم بإحسان، واعتبارهم قدوة في الحياة والسير على خطاهم، ويكون ذلك سمة العمل الإسلامي، ومنطلق الدعوة الإسلامية.
فحاجتنا اليوم وهي أكبر حاجة، هي تنمية الثقة بالرسالة والإيمان بوعد الله ونصرته بالحرية والاستقلال الذاتي، في كل مجال، وبناء كيان منفصل حرّ عن تدخل الأفكار الغربية، والاحتراز عن العقلية السائدة في المثقفين بالثقافة الغربية الذين يتولون السلطة والقيادة الفكرية، وإيجاد الثقة في النفوس أن العمل الديني هو غير العمل السياسي، وأنه مجرد عمل لإصلاح النفوس وحصول رضا الله ونشر الخير ومكافحة الشر بحكمة وموعظة حسنة، وبهذا المنهج تزول عن النفوس الوحشة والنفور من الحركات الإسلامية.
إن الفارق الكبير بين الفكر المادي والفكر الإسلامي أن يبذل الإنسان سعيه ويبذل ما في وسعه من جهد حسب غاياته، وأهدافه المنشودة، ولكن تحقيق الغاية، وإصابة الهدف ليس بيده، وإنما هو بيد الله، وقد قال الله تعالى لرسوله الكريم: “إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” [القصص:56] وقال: “وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى” [الأنفال:17]، وقال: “إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ” [الرعد:7]، وقال: “لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ” [الغاشية:22]، إن هذا التصور يعين العامل في سبيل الدعوة والإصلاح على الصبر ويمنعه من خيبة الأمل وفقد الأعصاب، وتدل عليه دراسة تاريخ الدعوة الإسلامي أيضاً.
الشيخ محمد واضح رشيد الحسنس الندوي