العاشر من ديسمبر فرصة لإعادة النظر في وضع حقوق الإنسان القائم في العالم

ولد الهدى فالكائنات ضياء
14 نوفمبر, 2018
الوحدة لا تتحقق إلا بالتضحية والإيثار
18 ديسمبر, 2018

العاشر من ديسمبر فرصة لإعادة النظر في وضع حقوق الإنسان القائم في العالم

يحتفل العالم كل عام في العاشر من شهر ديسمبر بيوم حقوق الإنسان؛ ففي مثل هذا اليوم كانت أمم العالم المتحضرة بعد الحرب الكونية الثانية التي أدت إلى تدمير وخسائر في الأرواح، وافقت على ميثاق ينص على احترام الإنسان وصيانة حقوقه، مهما كان نوعه أو عقيدته أو جنسه .

ويؤكد هذا الميثاق العالمي على الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الفرد، وقدرة الشخص البشري، كما ينص على مراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز على أساس العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين، ويتكون هذا الميثاق من ثلاثين مادة.

فإن المادة الأولى تنص على أن جميع الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق وهم قد وهبوا العقل والوجدان، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء،وتؤكد المادة الخامسة على أنه لا يجوز إخضاعُ أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطَّة بالكرامة، وتنص المادة الثامنة عشرة على أن لكلِّ شخص حقاً في حرِّية الفكر والوجدان والدِّين، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في تغيير دينه أو معتقده، وحرِّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبُّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.

كان ذلك الإعلان بكرامة الإنسان وصيانته ووقايته من بطش الآخر على أساس القوة أو الثروة أو العلم، إيذاناً بأن الإنسان في المستقبل، مهما كان وطنه أو جنسه أو عقيدته أو ثقافته، يعيش بفضل هذا الميثاق محتفظاً بكرامته وشخصيته وطبيعته وفكره ومشاعره، فنال هذا الإعلان القبول في سائر أوساط العالم، واستقبله المسلمون أيضاً؛ لأنهم كانوا هدفاً للغزو العسكري، والغزو الفكري، والثقافي، ونالوا الاستقلال بعد تضحيات جسيمة، وكان التدخل في شئونهم الداخلية رغم الاستقلال، قائماً مستمراً.

فكان ذلك أمراً طبيعياً؛ ثم إن دينهم الإسلام يدعو إلى كرامة الإنسان، ليس حفظه جسدياً، بل حفظه شعورياً، وقد ورد ذكر كرامة الإنسان واحترام شرفه في القرآن والحديث الشريف: ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ” [الإسراء: 70]

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” الخلق عيال الله، فأحب الخلق إلى الله مَن أحسن إلى عياله” (رواه البيهقي) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا بن آدم! مرضت فلم تعدني! قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده، يا بن آدم استطعمتك فلم تطعمني! قال: يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا بن آدم استسقيتك فلم تسقني! قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي” . (رواه مسلم)

ولا يسمح الإسلام حتى بالسخرية واللمز والهمز، فقد صرح القرآن الكريم:  “لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ،يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ. [الحجرات: 11-12]

ومنع الإسلام عن التمييز بين إنسان وإنسان،على أساس العنصرية والعصبية، فيقول القرآن الكريم : ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (الحجرات:11).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى”.(كنز العمال)

وجاء في حديث آخر: إن الله أذهب عنكم عصبية الجاهلية، وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي، أو فاجر شقي، الناس بنو آدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى””.(رواه الترمذي).

وقد فرض الإسلام قيوداً على وسائل تجرح كرامة الإنسان، فجاء في القرآن الكريم: “مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا” (المائدة:32).

وتشمل هذه الكرامة احترام كرامة العقيدة؛ فقد منع الإسلام من السب والشتم، والإساءة للأديان الأخرى والشخصيات المقدسة المحترمة لدى تلك الأديان، يقول القرآن الكريم:  “آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ” (البقرة:285). وجاء في موضع آخر: “وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (الأنعام:108).

ومن الناحية الاقتصادية التي هي من الأسباب الرئيسية لإهدار كرامة الإنسان وردت في القرآن آيات تحث على الإنفاق على الفقراء والمساكين وتدعو إلى الإيثار ” وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ “[الحشر: 9] وجاء في موضع آخر: ” وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [الإنسان: 8 ] .

وفي المجال السياسي حث الإسلام على العدل حتى مع من أساء “وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” (المائدة:2). وورد في موضع آخر: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”(المائدة: 8)

وجاء في موضع “الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ” (الحج:41).

فكان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان جديراً بأن تستقبله الأمم التي كابدت الصراعات والحروب، وخاصة المسلمون الذين تعرضوا للغزو الأجنبي لبلادهم والهجوم على دينهم وثقافتهم .

ولكن الفترة التي تلت هذا الإعلان لا تدل على تطبيق هذه الحقوق المضمونة في الإعلان، بل تدل على بقاء هذا الإعلان حبراً على ورق، وخاصة بالنسبة للمسلمين.

فإن ما يعاني منه المسلمون في مختلف أنحاء العالم لا يخفى على الساسة ولا الإعلاميين،ولكن لا تحرك هذه المشاهد المخزية الخارقة لحقوق الإنسان حركة في الأمم المتحدة التي اتخذت هذا الميثاق، ولا وكالاتها ومنظماتها، وإن وضع المسلمين أنفسهم يدل على كونهم مستهدفين لإهدار كرامتهم، وهضم حقوقهم، واستغلال ثرواتهم، واحتلال أماكنهم، وإلقائهم في المآسي الإنسانية، وتشتيت شملهم، وتدمير ممتلكاتهم في الفترة التي تلت التوقيع على حقوق الإنسان، وتستمر المآسي في مختلف بقاع العالم، والإساءة إلى معتقداتهم، والهجوم على ثقافتهم، والإساءة إلى مقدساتهم، وفوق سائر هذه المقدسات كرامة الرسول الأمين الذي كان رحمة للعالمين، وهو الذي أكد على احترام كرامة الإنسان قبل أن يعرف العالم كرامة الإنسان وقيمته، ويواجه المسلمون حملات شنيعة علمية وفكرية وقانونية.

وتقوم في معظم البلدان الإسلامية حكومات خاضعة للنفوذ الأجنبي بطريق غير مباشر، سواء من طريق الخبراء المستشارين من الدول الأوربية الكبرى الذين يشرفون على سياسة البلد الداخلية والخارجية والعلاقات بين الحكام والشعوب، فأصبح العالم الإسلامي اليوم مسرحاً لإهدار حقوق الإنسان، وأسوأ من ذلك أن دعاة حقوق الإنسان في معظم البلدان الإسلامية مكبلون بالقيود، ويعيشون في السجون،أو مطرودون من بلدانهم،فقد أفادت وكالات الأنباء العالمية أخيراً أن ثلاثة نشطاء سعوديين يقضون عقوبة السجن في بلدهم لفترات طويلة،وهم عبد الله الحميد ومحمد فهد القحطاني، وهما المؤسسان المشاركان لجمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية المحظورة حاليا، وعقوبتهما  السجن لمدة 10 أعوام و11 عاما على الترتيب. أما الثالث وليد أبو الخير، فقد صدر ضده حكم بالسجن 15 عاما في سنة 2014. وهو معروف بالدفاع عن نشطاء مثل المدون المسجون رائف بدوي.

وذلك يتعارض ليست مع تعاليم الإسلام وحده، بل مع ميثاق حقوق الإنسان، إن تاريخ التوقيع على ميثاق حقوق الإنسان في العاشر من شهر ديسمبر يقتضي إعادة النظر في الوضع القائم لحقوق الإنسان في العالم اليوم، وخاصة البلدان الإسلامية التي تابعة للسيطرة للدول الكبرى.

إن الاحتفال بيوم حقوق الإنسان يقتضي أن تدرس هذه البنود لحقوق الإنسان، وتدرس الأوضاع التي تعيشها مختلف الأمم في العالم، وتتخذ وسائل لدعم هذا الإعلان وتنفيذه وتطبيق سائر بنوده بدون تمييز على أساس الدين، أو الوضع الاقتصادي، والعنصري، وتتخذ إجراءات لوقاية هذه الحقوق المضمونة في ميثاق حقوق الإنسان، ومعاقبة من يرتكب خرقها بدون تمييز، فإن مجرد وجود لجنة حقوق الإنسان بدون قوة أو سلطة لفرض حكمها،لا يخدم هذا الإعلان ، ولا يعطيها معنوية.

محمد واضح رشيد الحسني الندوي

×