رائد القوم لا يكذب أهله
22 يوليو, 2018الإسـلام دين الفطرة
27 أغسطس, 2018المسلمون يمرون بمرحلة الامتحان
لا يشك أحد يتابع الأحداث في العالم الإسلامي أن الوعي الإسلامي اليوم أقوى مما كان عليه أمس، وأن هذا الوعي بدأ يتجسَّد ويتحوَّل إلى قنوات العمل الإسلامي، ولو بصورة غير منظمة، فلم يعد خيالاً حسناً، ولا تفكيراً مجرَّداً؛ بل دخل في مرحلة التجربة والاختبار، وذلك ما يقلق أعداء الإسلام وأتباعهم في العالم الإسلامي، فيحاولون أن يسدُّوا سائر المنافذ، ولكن هذه المجهودات لوقف الوعي الإسلامي، وانتعاش الضمير الحرّ، ستُمْنَى بالفشل على غرار المجهودات السابقة الرامية إلى وقف الوعي الإسلامي بحملة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، وتشويه التاريخ، ونشر الجهالة في المسلمين، ومنعهم من اتخاذ تدابير للاعتماد الذاتي، وتربية أولادهم وتثقيفهم بالتربية الأصيلة.
وقد كانت هذه المجهودات التي جرت باسم المعرفة، والعلم، والثقافة، والتقدم، مدعمة بوسائل الحكومات القوية الجبارة،لكنها فشلت في محاولتها لصدّ الوعي الإسلامي، وتغلَّب الإسلام على سائر المحاولات الخارجية، والداخلية ضده، وتجتاح الآن موجة قوية للدخول في الإسلام في الدول الأوربية،ومما يدل على ذلك انتشار المساجد والمراكز الإسلامية فيها، وكذلك اتخاذ الإجراءات لقمع هذا الوعي الإسلامي وصدّ الدخول في الإسلام دليل على وجود الصحوة الإسلامية القوية، وفي جانب آخر تكتسح موجة قوية لتطبيق الشريعة الإسلامية واللجوء إلى حلولها لمشاكل الحياة في البلاد الإسلامية.
تلك هي البلاد التي لا تزال تتبع نظم التعليم والتربية والثقافة والإعلام التي ورثتها من أوربا، وتطلق العنان لوسائل الإعلام والتربية لتبثّ السموم، وتنشر فكر التبعية للغرب، وتمجد حضارته، وتخفى جرائمه الإنسانية، وتقمع روح الإسلام، وتغضّ بصرها عن الوعي الإسلامي، وتكبّ على قمعه، وتبطش بالحركة الإسلامية، وتعانق القوى المعادية لليقظة الإسلامية رغم أنف شعوبها المسلمة التي عزلتها عن الحياة، ومما يبعث على الأسف أن الأعداء يجدون من بين المسلمين أنفسهم أنصاراً لهم يحققون أهدافهم .
إن الأصوات التي نسمعها من حفنة يسيرة أو شرذمة قليلة، ممن يدعون بالعلم والمعرفة والثقافة، أصوات متشتتة لا تجد تجاوباً من الشعب، ولا تلائمها البيئة المتغيرة التي تكاد تتدفق بالعاطفة الإسلامية، ولولا حماية القادة والزعماء السياسيين الذين يملكون زمام الأمور في البلدان الإسلامية ويدعون بالتمسُّك بالإسلام، والإجراءات القمعية لحلمة الفكر الإسلامي الأصيل، لما وجدت هذه الحناجر المريضة والأقلام المسعورة جراءة لترفع أصواتها ضد دين الأغلبية وثقافتها وتاريخها،ولولا حماية النظم التابعة للعقل الأوربي، لكان سخط الشعب المسلم وانتفاضته وغيرته على دينه أكبر وازع ودرس رادع لهذه العقول الطفيلية.
لقد تولَّى عهد العقل الطفيلي في العالم الإسلامي، فلم يبق مجال للشك في أن النظم التي سادت منذ غلبة الغرب، لم تكن إلا ستاراً للاستعمار، وأن هذه النظم السياسية والاقتصادية والفلسفات الاجتماعية لم تزد العالم الإسلامي إلا تشتتاً وتمزقاً وتبعية، وما نشاهد اليوم من تمزق وتضارب فكري وتبعية، يرجع إلى الاستعمار الغربي الفكري والسياسي.
ومن الخطر أن بعض المفكرين الذين يدعون بأنهم مفكرون إسلاميون، ويحملون عقلية غربية، يقدمون نماذج للفكر الإسلامي المغاير للفكر الإسلامي الأصيل، وتنشر كتب بأقلام الناشئين في مراكز الفكر الغربي، تقدِّم تصورات جديدة للإسلام، ويعني ذلك حرب الإسلام من الداخل، ومن ذلك إحداث وقائع تحدث الفنتة والفساد في المجتمع الإسلامي لمنع حوادث الاستقرار والوحدة.
إن الدول الإسلامية بذخائرها والقوى البشرية التي تملكها، والأهمية الجغرافية التي تتمتع بها، وصلاحيات أبنائها، تستطيع أن تفرض على العالم، لا على أمريكا وروسيا وحدهما، إرادتها ورغبتها أكثر من إسرائيل،ولكن الشئ الذي يحول دون هذا التحوُّل الجوهري هو عدم وجود الانسجام بين الشعوب الإسلامية والنظم القائمة في بلادها، وقد حان الوقت لأن تزول الحواجز بين الشعوب والنظم السياسية، ويتكاتف الجانبان، وأن يسود الوعي الذي تلاحظ آثاره في الشعوب، على عقول القادة الذين يتولون الحكم كذلك، وأن يعرفوا أصدقاءهم وأعداءهم الحقيقيين، فقد سقطت سائر التكايا، ورفعت الأقنعة عن الدول الكبرى التي كانت الحكومات الإسلامية تحتمى بها، وسقطت سائر المناهج، وخابت سائر الوسائل، وانهارت سائر الفلسفات، ولم يبق أمام الشعوب والحكومات الإسلامية وفي مقدمتها الدول العربية بديل إلا العودة إلى أصالتها وذاتيتها وإلا سيكون مصير كل بلد مصير الأمم البائدة.
وقد حان الوقت لتنظر الدول الإسلامية هل تريد أن تعيش بحرية وتعود إلى عهود المحميات السابقة بعد سقوط الخلافة العثمانية؟
لقد كان سبب غلبة الصليبيين والدول الأوربية على المسلمين انتعاش الروح الدينية فيها، وتنمية الشعور بأنها عرضة لخطر المسلمين، وقد نفخ القساوسة روح الانتقام من المسلمين، وبذلك وحدوا أوربا كلها، وجعلوها كتلة أمام المسلمين، وبذلوا المجهود في كل مجال لمنافسة المسلمين،والتغلُّب عليهم، فاجتمعت أوربا تحت لواء الدين.
لقد كان المسلمون أقرب الأمم إلى الوحدة والتعاضد والتكاتف، فقد اتصفت عبادتهم بعنصر الوحدة في المسجد والمصلى، فضلاً عن الحج الذي يأتي إليه المسلمون من كل فج عميق بشعار واحد، وفي زيّ واحد، وبشعور واحد، يكبرون ويهللون لله الواحد، فكيف يختلف المسلمون؟.
وتتجلى الوحدة في معاملات المسلمين وسلوكهم كذلك، حتى في الأكل والشرب، وقد دعى المسلمون إلى التشاور فيما بينهم، ووصفوا بالعفو، وكظم الغيظ، والإيثار، فكان المسلمون أحق أن يتخذوا الوحدة شعاراً لهم، وأن تتجلى الوحدة في جميع أعمالهم، لكن حال المسلمين اليوم أنهم أقرب الأمم إلى التناحر والتباغض، والتخاصم والانفعال، وإظهار الغيظ والانتقام، أنه لمفارقة عظيمة.
يجتمع المسلمون اليوم تحت لواء الدين فليكن همّ قادة المسلمين تنمية الشعور بالذاتية والاستقلال، وتنمية روح إعادة الشخصية الإسلامية وتحريرها من أيدي المستعمرين الجدد والانفصال عن الأعداء، والاعتماد الذاتي الكامل بعدة الإيمان، ورصيد اليقين بأنهم خير أمة، وأن المستقبل لهم.
محمد واضح رشيد الحسني الندوي