مناسبة الصيام مهرجان ديني حبيب
24 مايو, 2018المنهج السليم للدعوة الإسلامية
7 يوليو, 2018بين النظام الجمهوري والنظام الدكتاتوري
تلاحظ في كثير من البلدان الإسلامية قوتان متعارضتان، قوة مسلحة للحكومة، وقوة وطنية للشعب لا تساير الحكومة ولا تنفعل معها، وقد كان هذا الانفصال بين الشعب والحكومة معروفاً في عهد الحكم الأجنبي الذي زال عن كثير من أجزاء العالم، فتحرر الشرق بكامله تقريباً من براثن الاستعمار، وتولى أبناؤه الحكم، وتركزت السلطة في أيديهم لرسم سياسة البلاد الداخلية والخاريجية، ولكن الاتجاه الفكري في هذه الدول المتحررة، وموقف التكتلات السياسية لا يزال يتمسك بالطبيعة التي كانت تسود قبل الحرية، فلا يوجد الاشتراك في عمل بناء الوطن والمساهمة الشعبية في الاحتفاظ بسلامة البلاد، وتوحيدها وتمكينها من تحقيق الاعتماد على النفس، لأنها تواجه صراعاً داخلياً بين الأحزاب السياسية، أو نضالاً بين المواطنين المسالمين والسلطة المسلحة للحكومة.
إن هذا الوضع يسود في معظم البلاد النامية، أو البلاد التي تسلمت زمام الأمور حديثاً، فيوجد هذا الصراع في الدول الإسلامية بصفة خاصة من المغرب العربي إلى إندونيسيا، بما فيها الدول ذات الأغلبية الإسلامية في أفريقيا.
وقد تطور الوضع إلى نوع من الصدام بين القوى الشعبية والسلطة، فتعرقل القوى الشعبية في كل مجهود تقوم به الحكومة لأنها تنظر إليه بشك وريبة، وتخشى أن كل ما تقوم به الحكومة تتعارض مع رغبات الشعب، فلا تنال الحكومات في هذه الدول التأييد الشعبي، أو ثقة الشعب التي تلزم لاستقرار الحكومات وبقائها.
وأغرب ما في ذلك أن حكومات كثيرة في البلدان الإسلامية تستولي على زمام الأمر بحكم الاستيلاء على الجيش، وإن العرف لا يعرف إلا نموذجين للحكم: حكماً وراثيا، وحكماً نيابياً يتم عن طريق الانتخابات، أما الانقلابات والثورات بقوة تأييد جناح من الجيش، فإنها تظل نظاماً غير دستوري إلى أن يتم إجراء انتخابات حرة تمنح المسيطرين على الحكم الصبغة القانونية، بشرط أن تكون الانتخابات حرة لا يواجه الشعب فيها أي ضغط مسلح.
كذلك اقتداءاً بالنظم السائدة في الدول الأوربية الراقية التي يتصل فيها الحكم من حزب إلى حزب آخر، ولكل حزب أفكار ونظريات معينة، ولا يمارس في الانتخابات أي ضغط أو تدخل في النظام السياسي، وبفضل هذا النظام تُتاح للشعب فرصة التعبير عن رضاه، أو سخطه بالنسبة لسياسة الحكومة القائمة، ولا تتاح للجيش أي فرصة للتدخل في الشؤون السياسية، فيقوم الجيش بأداء مهمته، وهي الدفاع عن الوطن، ويركز عليه.
لكن من سوء الحظ أنه تقوم في الوطن الإسلامي وخاصة في الدول العربية نظم حكم استبدادي يعتمد على الجيش وحده، ويغفل طموح الشعب بقوانين ثورية لا تراع فيها رغبات الشعب، فيقوم بين الشعب ونظام الحكم جدار نفسي وشعوري، ولا يوجد في مثل هذا الوقت التعاون بين أصحاب الشرطة وممثلي الشعب، و توجد نظم في كثير من البلدان منذ مدة طويلة بدون ثقة الشعب، فتحكم البلاد بموجب دستور موقت، أو بموجب مراسيم الثورة، لذلك تعيش هذه الدول في حرمان من التوجيه القومي، والتمثيل الوطني.
وقد كان لعدم استقرار الحكومات القائمة في البلدان وعدم تمكنها من ثقة الشعب أثر سيئ على الهيئات التي تمثل هذه الحكومات، بما فيها السفارات والقنصليات، ما جعل السفارات والقنصليات لبعض البلدان الإسلامية في انعزال كامل عن شعب البلاد التي تقع فيها، وعن وطنها كذلك لأنه لا توجد سياسة مرسومة دائمة لبلادها، فينحصر عملها على إجراءات روتينية محدودة بدون روح المبادرة، والحماس للعمل، وممارسة النشاط الصحفي، والثقافي للاتصال مع الحركات والمؤسسات والقادة في البلاد.
كان هذا الانفصال بين الشعب ونظام الحكم القائم، وخاصة في البلدان التي تخضع للاشتراكية بقوة البوليس كالدول التابعة للأحزاب الاشتراكية، عنصراً هاماً، بل من أهم العناصر في خيبة الحكومات في عمل البناء القومي، ومنح البلاد شخصية مميزة تنعكس فيها آمال شعبها وتلوح فيها صلاحياتها وكفاءاتها وقدراتها، فتظهر كل حكومة كأنها لا تمثل شعبها، ويبدو الشعب كأنه يعيش بدون حماية لمصالحه غير مرعى الجانب.
ومهما تكن من أسباب وعوامل لهذا الانفصال، فإنه لا يبشر لكل من يواجه مثل هذا الوضع أن يوجد حلا عاجلاً له، ويتخلص من هذا المأزق، فإن القوانين الإرهابية والاستبدادية لا تستطيع أن تضمن بقاء أي نظام طويلاً.
محمد واضح رشيد الحسني الندوي