ورحل عالم لغوي كبير د. ف. عبد الرحيم (1933–19/ أكتوبر 2023م) (2/الأخيرة)

ورحل عالم لغوي كبير د. ف. عبد الرحيم (1)
28 نوفمبر, 2023
الشيخ إكرام الله خان الندوي
17 يناير, 2024

ورحل عالم لغوي كبير د. ف. عبد الرحيم (1933–19/ أكتوبر 2023م) (2/الأخيرة)

كتبه/ د. أبو سحبان روح القدس الندوي

* سحر الألحاظ في شعر الألفاظ.

قصد المؤلف بـ”شعر الألفاظ” “اللذة والمتعة يجدها الدارس عندما يكتشف ما تخفيه الكلمات من أسرار وأخبار، غير أن الكلمات تضَنُّ بها أشد الضَّنّ إلا على من يملك مفاتحها، فهي كـ”دار نُعم” التي قال فيها النابغة الذبياني:

فاستعجمت دارُ نعم ما تكلمنا

والدار لو كلمتنا ذات أخبار

ليست الكلمات مجرد ظروف للمعاني، إنما هي سجل للتاريخ، ووثائق لعادات الشعوب وتقاليدهم، وبعضها مدافن لاعتقادهم الدينية، وأوهامهم الباطلة، ومنها كذلك يحتضن خيالهم المجنّح” (ص: 7 من المقدمة)

والكتاب يعالج المواضيع الآتية:

  • كلمات تعكس العادات والتقاليد.
  • كلمات تعكس عقائد الشعوب.
  • كلمات اشتُقّت من الأعلام.
  • كلمات تشير إلى ظروف نشأتها.
  • كلمات نشأت خطأ.
  • مساراتُ تغيّر الدلالة.
  • كلمات أساسها الخيال.
  • تغيّر المعنى بسبب التفاؤل.
  • توليد الكلمات.

وأنهى المؤلف كتابه بخاتمة وإنني أكتفي بذكر قطعة من أوائلها وذلك للوقوف على مقصد المؤلف من تأليف هذا الكتاب، يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (ص: 77).

“والآن وقد انتهيت – أيها القارئ الكريم – من قراءة الكتاب، وقابلت فيه كلمات تقصّ عليك قصصها، وتفشي لك أسرارها، وتسرد لك أخبارها، ولم تستعجم كدار نُعم، بل كانت ذات أخبار… لعلك تدرك الآن أن الكلمات على صغرها وضآلتها إنما هي أسفار تحتوي على أسرار وأخبار، وهي مصدر متعة ولذة”.

* أما كتابه “الإعلام بأصول الأعلام الواردة في قصص الأنبياء عليهم السلام”: فقد أصدرته دار القلم بدمشق سنة 1413هـ / 1992م، وقد شيّده المؤلف بمقدمة مفيدة عرّف فيها بكتابه هذا قائلاً (ص: 3) بعد البسملة والحمدلة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم:

“أما بعد، فإن هذه دراسة تأصيلية للأعلام الواردة في مجال قصص الأنبياء عليهم الصلاة وا لسلام، وتشمل:

  • الأعلام الواردة في القرآن الكريم، وقد أوردها الجواليقي في “المعرَّب”، وتناولتُها بالدراسة عند تحقيقي الكلمات الواردة فيه، غير أنني حققت بعضها بتوسع في كتابي هذا.
  • والأعلام الواردة في كتب السيرة والتاريخ والتفسير لأزواج بعض الأنبياء وأولادهم، وللملوك المعاصرين لهم، وللموالين والمعاندين لهم، ولرجال صالحين وغيرهم.

وقد وقع في معظم هذه الأعلام تصحيف وتحريف، وتعددت صيغ كثير منها، بعضها قريب من الأصل وبعضها بعيد عنه كلّ البعد”.

وأضاف قائلاً (ص: 4):

“معظم هذه الأعلام عبرية إذ لها صلة بالأنبياء عليهم السلام وتاريخهم، وبعضها التي لها صلة بالنصرانية سريانية ويونانية”.

واستمر إفادة:

“إن هذه الأعلام واردة في كتب اليهود والنصارى، وهذه الكتب وإن كانت محرَّفة فإن الأعلام لا تكون محلّ تحريف في الغالب، إنما يقع التحريف فيما ينسب إلى أصحابها من أفعال وأقوال، ومن ثمّ فإن ابن كثير لم ير بأسًا في نقل الأعلام من التوراة الموجودة في أيدي اليهود”.

وتناول المؤلف في مقدمته مبحثين مهمين وهما:

  • أسباب حدوث الاختلاف.
  • أصوات اللغة العبرية وطريقة ضبطها في الكتابة العربية.

ثم بيّن منهجه في طريقتي الإحالة على كتب اليهود والنصارى ومعالجة الأعلام، والله الموفق.

هذا، وبقي عليّ أن أذكر ترجمة موجزة للدكتور ف. عبد الرحيم فهو من مواليد 1933م بمدينة فانيامبادي (Vaniyambadi) بولاية تامل نادو في جنوب الهند.

تلقى أولويات العلوم العربية والدينية بمنطقته وحصل شهادة “أفضل العلماء” في اللغة العربية والعلوم الإسلامية من جامعة مدراس وماجستير في اللغة الإنجليزية من جامعة مدراس.

وماجستير في اللغة العربية وآدابها من جامعة عليكره الإسلامية.

والدكتوراه في أصول اللغة العربية من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بمصر عام 1973م.

وكان موضوع رسالته تحقيق كتاب “المعرّب” للجواليقي.

والدكتور ف. عبد الرحيم يجيد أربعة عشر لغة.

تولى عدة مناصب في جامعة الهند وخارجها، فكان محاضرًا للغة الإنجليزية والعربية في جامعة مدراس بالهند، ورئيس قسم اللغة الإنجليزية بجامعة أم درمان الإسلامية بالسودان ومدير شعبة اللغة (لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها) في الجامعة الإسلامية بالمدينة.

وأستاذًا مشاركًا بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية بالمدينة.

وكان يعمل بمركز الترجمات بمُجمَّع الملك فهد بالمدينة لطباعة المصحف وترجمة معانيه باللغات العالمية، حتى جاءه الأجل المحتوم في ليلة الجمعة المباركة بتاريخ 19/ أكتوبر 2023م وصلّى عليه المسلمون في المسجد النبوي يوم الجمعة في 20/ أكتوبر 2023م ودفن بالبقيع.

وكان رحمه الله تعالى من العلماء العزّاب الذين آثروا العلم على الزواج ومكث بالمدينة دهرًا طويلاً، مُكبًا على خدمة العلم والدين، تقبل الله جهوده في خدمة لغة القرآن والحديث.

وإني أدركتُ عصره أيام دراستي بالمدينة في الفترة: 1975م–1979م، وكنت أجتمع به بين الحين والحين، ولم تفتني زيارته كلما جئت المدينة ولقيته آخر مرة عام 2018م حين شاركت موسم الحج على ضيافة خادم الحرمين الشريفين، وصحبني في هذا اللقاء الكريم محمد فرمان والمرحوم محمود حسن الحسني، وقد زوّدني في هذا الاجتماع به بكتابه “سحر الألحاظ في شعر الألفاظ” الصادر العام نفسه.

وكان رحمه الله دمث الخلق، ليّن العريكة، طويل القامة، خفيف الجسم، يغلبه الهدوء والسمت والسكوت، وكانت بينه وبين أعلام ندوة العلماء صلة قوية، فكان مشايخ الندوة يلقونه حين زيارتهم المدينة، وقد زار الدكتور ف. عبد الرحيم ندوة العلماء بلكناؤ غير مرة.

لاجرم! أن دنيا العلم قد خسرت بوفاته، وكان من نوادر الرجال في هذا لزمان الذي قل فيه العلمُ وكثر الجهلُ، والله المستعان.

×