مع الإسلام ولكن؟
17 يناير, 2024يعلمه الله
1 فبراير, 2024القلق النفسي
محمد واضح رشيد الحسني الندوي
القلق النفسي أصبح ظاهرة عامة في هذا العصر، عصر الكشوف والدراسات، والتجارب، والتحليل، والتنافس، والتزاحم، عصر المطالب النامية والدوافع إلى حياة أفضل، وكسب مزيد من التفوق والسبق، ليس في ميدان واحد؛ بل في ميادين كثيرة في وقت واحد، وصار الإنسان لا يكبح جماحه ولا يشبعه ويروى غلته شيء مهما كسب من سمعة، ومهما قهر من عدو، وبسط أمره على غيره، فيظل دائماً متعطشاً نهماً يعاني من الشعور بالنقص ـ لا نقول مركب النقص لأن طبيعة الإنسان اليوم أنه يشعر بالتفوق الذاتي والكمال الذاتي في الصفات والشمائل، ويشعر بالنقص في المادة في آن واحد.
وكل ما نشاهده في العالم من حروب، ومشاحنات، ومن حركة وضجة، ينبع من هذه الظاهرة، فيعاني الإنسان من شعور التضايق، والخناق في كل بيئة ومحيط، بقدر التقدم في المدنية والحضارة، وبقدر الدراسة، وكسب العلم، وبقدر استيلائه على المواهب الطبيعية، والمادية، وبقدر دعاويه الباطلة والحقيقية.
وقد زاد هذا التضايق بالتلوث الفضائي والبحري والجوي، وبالتلوث الفكري والعقلي، فيحتاج إلى وسائل للهدوء الفكري وتطهير البيئة، وتصفية الجو، أما التلوث فيزداد، والمضايقة والاختناق فيستمران بإطراد، لتضارب النظرات والفلسفات وتزاحم بعضها للآخر، ولتعكير الحياة الصناعية.
وقد كثرت حوادث هذا القلق الذي ينشأ من جماح الإنسان وتلوثه، وتلقيح الأفكار المتعارضة، وغلبة المادية الجامحة، وتضاؤل روح التسامح والاقتناع في البلدان المتحضرة، بحيث صار ذلك مسألة تشغل بال المفكرين وعلماء النفس، والاجتماع، والسياسة.
صار القلق النفسي مرضاً نفسياً نتيجة للصراع الفكري، وللظواهر الاجتماعية المزاحمة، لأن الحضارة الحاضرة كانت باعثاً على زيادة طموح الإنسان في حياته، وحمله على كسب مزيد مما يتمتع به من رفاهية، أو سيادة، أو نفوذ، أو قدرة، بدون أن يكون هناك رادع أو توجيه خلقي، فيزداد في الإنسان الجشع والنهامة ويكدس لنفسه ما استطاع إليه سبيلاً، وإن كان على حساب غيره من بني جلدته.
إن هذا التهور والجماح في طبيعة الإنسان المثقف اليوم الذي ترك الحبل على غاربه بعد أن انسلخ من تعاليم الأديان، ومثل الأخلاق، وطغت عليه المادة، والنفعية الذاتية، خطر كبير للأجيال القادمة، وقد زادت الموازين الجديدة للعلم والثقافة هذا الجموح، وزادت من القلق النفسي للإنسان نتيجة له، بالإضافة إلى ما يعاني الإنسان من أمراض طبيعية معقدة، نتيجة للتلوث الصناعي، وزحمة الحياة، والإرهاق في المعيشة.
وأكثر البلدان تعرضاً لهذه الظاهرة، والقلق الصحي، والقلق النفسي، هي البلدان المتقدمة المتحضرة، حيث تمت ميكنة الحياة، وهي التي تشعر الآن بضرورة الهدوء النفسي.
تقدم الإنسان في الثقافة والمعيشة في كثير من العهود السابقة في ا لتاريخ، وأدى التقدم في العلم والاجتماع والمدنية إلى مسائل للإنسان، فقامت الأديان والفلسفات والمذاهب الأخلاقية بدورها في ردع هذه الأخطار، ومنع الإنسان من أن تجره الحضارة إلى حافة الانحلال والذوبان.
وقد قام الإسلام بدوره عندما كانت الحضارة الفارسية والحضارة الرومية قد وصلتا إلى هذه النقطة من شقاء الإنسان بسبب طموحه، وجماحه، وانغماسه في إشباع نفسه، فأخذ بحجزه وقد أشار القرآن الكريم إلى فقدان الرداع الخلقي:
) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا(. (آل عمران الآية:103)
لقد حلت الإمبراطوريتان الشيوعية المادية والصليبية الغربية، محل الإمبراطوريتين الفارسية والرومية المتناحرتين اللتين اقتسمتا العالم، وتطحنان الإنسان اليوم، ويشقى الإنسان في كل مكان بجراء الحضارة المادية وللنظم المادية، ويرزح تحت وطأة الفكر المادي الجامح، وتحدق به الأخطار من كل جانب، فما أحوجنا اليوم إلى نظام الإسلام ومثله الخلقية والروحية، وتعاليمه السمحة وتطبيقها على الحياة، لننقذ أنفسنا ونهدي غيرنا إلى سعادة الحضارة ونخرجه من ضيق الدنيا إلى سعتها.