خصّ الله تعالى الإنسان من بين مخلوقاته الأرضية الأخرى بميزة العلم، وذلك بقوله تعالى “عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ “(العلق:5) وأما أمة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، فخصَّها بصورة عالمية وباقية،ووصف نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بكونه إماماً ومعلماً،فقد جعل هذا العلم الذي خصّ الله تعالي به هذه الأمة، علماً لإصلاح الحياة الإنسانية في مجالاتها الدنيوية ونجاحها في حياة الآخرة، وحعل أكبر مصادر هذا العلم كتابه المجيد الذي جعله مشتملاً على توجيه الإنسانية إلى ما فيه سلامة الحياة في مجالاتها المختلفة، وخاطب الإنسان على مختلف أنواعه، فمنه من هو مؤمن ومن هو كافر، ومنه من هو مخلص في عمله، ومنه من هو منافق،وذلك بإيضاح ما يناسب حيناً بالتذكير بما ينفعه لأمن الحياة، وبما يدلُّه على ما فيه الخير لحياة الإنسان، فقد جعل الله تعالى بذلك كتابه العزيز مصدر هداية الإنسان، فأفاض القرآن بعلم يهدي الإنسان إلى ما فيه السلامة والخير الدائم للإنسان، وجعله الله تعالى سبباً أكبر لحياة الشرف له، وسبب امتيازه بين الخلائق المجاورة له في الأرض، وقد ذكر الله تعالى لملائكته هذه الميزة للإنسان.
والعلم الذي خصّ الله تعالى الإنسان به على نوعين؛ نوع أعطى الله الإنسان صلاحية الحصول عليه بتدبيره بمشاهدته وسماعه وقراءته، ونوع آخر وهو غيب للإنسان يطلع عليه بقدر ما يشاء الله له منه بوحيه الأزلي على أنبيائه منذ أول المبعوثين منهم،وكان أنبياء الله تعالى قبل خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم يذكرونه وينقلونه لمن أتوا بعده بقدر حاجة هذه الأمم إلى الاطلاع عليه، وهو علم لا يطلع عليه الإنسان إلا عن طريق الوحي الإلهي وكتبه التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه الذين يقومون بإبلاغه لأممهم، وفيه فلاح حياة الناس في الآخرة وهي تأتي بعد حياة الدنيا، وذلك بواسطة العلم الذي يحفظ للآخرين وأمر الله تعالى بقوله: ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ” (العلق: 1-5) .
وبالاستفادة من كلا النوعين من العلم يحصل النجاح في النوعين من الحياة: حياة الدنيا وحياة الآخرة، وتدخل في كلمة اسم الرب معلومات تتضمنها مضامين هذا الاسم الكريم، وينقلها القلم بكونه طريق الحصول على هذه المعلومات، وذلك بقوله تعالى ” عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ “.
ولما كان الإنسان يقصر في الاسفتادة من المعاني التي ينزلها الله تعالى بطريق الوحي وكتابه المجيد، تقصيراً يوقعه في خسارة كبيرة، جعل حاجته إلى الخير لحياته ، وقد يقع بجهله لهذا العلم في الطغيان فيواجه خسارة وغراماً في الآخرة، وذكره الله تعالى بقوله ” كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى “وذكر الله تعالى بوقوع الإنسان بجهله لهذا العلم في طغيانه، فيواجه عقاباً عليه وذلك في قوله ” كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ “(العلق: 15-16).
على كل فإن العلم بنوعيه نعمة للإنسان إذ استفاد به استفادة لائقة، وهي استفادته بكلا النوعين من العلم، ولكنه إذا قصر في الاستفادة بهما يواجه نقمة وعذاباً من خالقه وخالق هذا الكون.
ومن المؤسف أن الإنسان قد وقع في ضلال وفساد في هذا الصدد كثيراً، ولإنقاذه من مصيره في ذلك أمر الله تعالى أبناء الأمة الإسلامية وهي أمة نبيه الأخير محمد صلى الله عليه وسلم بإبلاغ هذا العلم وبالدعوة إلى الاستفادة منه واتباعه، وبتبشير الناس إذا أحسنوا الاستفادة بهذا العلم وإنذارهم إذا قصروا في ذلك، وأمر أتباعه باتباعهم لنبيه في ذلك، فيجب أن نقوم بذلك، وندعو الله تعالى لنا بالتوفيق وهو على كل شيء قدير.
محمد الرابع الحسني الندوي