من حكمة الدفاع أن تُستخدم الوسائل التي يستخدمها العدو
18 سبتمبر, 2017من الوحدة والتضامن إلى التشتت والتصارع
17 أكتوبر, 2017إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ
ختم الله تعالى بعثة أنبيائه للأجيال المتعاقبة قبل آخر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأكمل عليه دينه،وأتم نعمة دينه بشريعة الإسلام،وجعلها مستمرة جارية في الأمم المتعاقبة بعده إلى يوم القيامة، فلم يجعل حاجة إلى تغيير أو تبديل في الرسالة الأبدية للدين الإسلامي، ولم يجعل الأمر محدوداً بزمان أو مكان لأداء مسئولية العمل بالدين، وحمل المسئولية للمحافظة عليها على أمة سيدنا محمد النبي الخاتم، وذلك بقول الله تعالى “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ “(آل عمران:110) وبذلك جعل الله تعالى هذه الأمة مسئولة عن عمل الهداية والإصلاح للناس، وعمل الدعوة هذا يكون من أفراد الأمة الإسلامية بوجه عام، ويكون من أصحاب القوة و الحكم في البلاد بوجه خاص،لأنهم يملكون من أسباب العمل أكثر وأقوى، وعليهم مسئولية خدمة شعبهم فيما يحتاج أفراده في شئون الحياة وصلاح سيرتهم وأخلاقهم، وعلى رأسها عقيدتهم ودينهم، كما يظهر من قول الله تعالى:. ” الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ “(الحج:41) .
عندما نرى إلى الأمم والشعوب القاطنة في بلدان العالم في شأن صلاح حياتها وأحوال سيرتها هل حصل لهما الاعتناء من حكامها،وهل نال الناس الهداية والرشاد كما أمر الله تعالى بتبليغها إليهم، فإننا نجد نقصاً واسعاً في هذا المجال بوجه خاص، فإن حالة الجهل والضلال أصبحت منتشرة انتشاراً واسعاً في عامة المسلمين وخاصتهم مع كونهم مسئولين عن الدعوة إلى الحق والفضيلة، فإن المسلمين لا يهتمون هم أنفسهم بالمحافظة الكاملة على الدين فضلاً عن أن يهتموا اهتماماً لائقاً بإرشاد غيرهم ودعوتهم إلى اتباع الحق وإصلاح الفساد وصلاح السيرة والدين، فنجد بسبب هذا التقصير أن الفساد ظهر في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، وتقع تبعية ذلك على المسلمين مرتين: مرة بضلال واقع في المسلمين أنفسهم، ومرة بتقصيرهم في دعوة غيرهم إلى الحق، وبخاصة من جهة حكومات المسلمين، فإنها رغم كثرتها مقصرة تقصيراً شديداً في هذه الناحية، فهي مع وجود وسائل ناجحة للدعوة إلى الحق لا تستخدمها لخدمة المعروف والدعوة إلى الحق.
لقد ذكر الله تعالى أن كل فائدة وكل نجاح في الدنيا،إنما يحصل بتقدير الله تعالى وتهيئة وسائله، ومنها حصول الحكم في البلاد، وقد أمر من خلقهم في الأرض بأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور، فإذن يكون واجباً على من يصلون إلى القوة والمنعة في الأرض أن يقوموا بما قرره الله لهم من أداء المسئولية بعد وصولهم إلى مركز القوة وتحقيق الهدف الذي قرره الله تعالى، وهو المعطي لهم هذه القوة .
وكان من المطلوب من هؤلاء الذين يصلون إلى مركز تحقيق الهدف أن يؤدوا المسئولية التي تقع عليهم، فنحن حينما نرى إلى حكام المسلمين من هذه الناحية فيؤسفنا أسفاً كبيراً على تقصيرهم في هذه الناحية المهمة،وإن تقصيرهم في ذلك يؤثر في استمرار الضلال وازدياده في العالم، وتزول بذلك عنهم البركة وبقاء عزتهم ومكانتهم أيضاً،وذلك لأن نصرة الله لا تحصل إلا بأداء المسئولية من الله عليهم ،فقد قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” (محمد:7) فهم يقعون في صعوبات وتفرقة تظهر في صورة انشقاقاتهم وافتراقاتهم، وظهور خصومات بينهم، تزول بذلك عنهم السكينة والطمأنية، ولا تحصل لهم نصرة الله كما جاء في كلامه المجيد.
فإنه صارت لهم اليوم عشرات من الحكومات في منطقة كانت تحكمها حكومة واحدة في أوائل التاريخ الإسلامي، وكانت بكونها واحدة أقوى من هذه العشرات، وهي الآن في حالة ذكرها شاعر بقوله:
وتشعبوا شعباً فكل جزيرة
فيها أمير المؤمنين ومنبر
ويستفيد بذلك أعداء الإسلام، فإنهم غلبوا على قوة المسلمين يتصرفون في مصائرهم في عقر ديارهم وشتى بلادهم، فيا له من خسارة وضياع!،فقد يجب أولاً أن يجمعوا شملهم، وتتحد كلمتهم، ويختاروا ما تحصل لهم به نصرة الله، وذلك باعتصامهم بحبل الله المتين،وأداء مسئولية نصرة الحق،وتحقيق ما أمر الله تعالى به من أداء الرسالة التي حملهم الله تعالى إياها،فإنهم إذا أدوها فتحصل لهم نصرة الله، ويحصل لهم تثبُّت الأقدام في مكان العزة والقوة.
محمد الرابع الحسني الندوي