بين موضوعية التعليم والمتعة التجارية

التميز الإسلامي، والجهود المضادة!
7 يونيو, 2018
دور الإعلام في حياة الإنسان!
22 يوليو, 2018

بين موضوعية التعليم والمتعة التجارية

هناك طائفة من المسلمين تزعم أن الاشتغال بالتعليم الإسلامي والاهتمام بالتربية الدينية يحولان دون كسب المعاش ويعوقان الطريق نحو عيش رغيد وهناء بال، ولكن الواقع ليس كما تزعم هذه الطائفة، وإنما العلم أساس الحياة والإنسان والكون، والعلم مهما كان إنما هو أول هدية سماوية، شرف الله تعالى بها الإنسان وجعلها زينة الحياة الدنيا وجائزة الحياة الآخرة، ومن ثم كانت حاجة العالم البشري إلى أن يركز جميع قواه وإمكانياته على البحث عن منابع العلوم والمعارف، ويتأكد أن الله سبحانه لم يخلق الإنسان عبثاً ولم يمهله لكي يعيش في جهل وغباء، بل أكرم عليه بأن يعرف غاية الحياة والهدف الذي أراده الله سبحانه من خلقه، وصرح به في كتابه بغاية من الوضوح والبيان، فقال بصيغة الحصر: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ” [الذاريات:56-58].

ومن لا يدري أن غاية العبادة لا تتحقق بدون تعليم وتعلمّ، وبذلك تبين أن طبيعة العبادة لله تعالى وطبيعة البشر في هذا العالم واحدة ليس بينهما فرق أو تغاير، وقد عبر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفطرة، فقال: “كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه”. ولا يتم هذا الواقع المغاير لفطرة الإنسان إلا بالتعليم،والتربية التي يتلقاها المولود من أبويه ويصطبغ بصبغتها.

ومن هنا نستطيع أن نتأكد أن التعليم الإسلامي الذي وضع قواعده الإسلام في ضوء كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إنما هو الأساس الأول والأصيل لبناء الإنسان ذي الفطرة السليمة، وذلك هو الطريق نحو سعادة البشرية، وترسيخ جذور الإيمان والأمن والسلام في العالم كله، وإن ما نشاهده اليوم من الفساد في الأرض، وما نعانيه عن الأمراض المعضلة ومن الإنسياق إلى محاربة الأخلاق الجميلة ودحض الحقائق، وحوادث القتل والفتك والانتحار، كل ذلك نتيجة للحيد عن طريق الفطرة وطبيعة الخلق والأمر، والاعتماد على العقل المادي والأيديولوجيات الجديدة التي تبعث صاحبها على أخذ كل وسيلة واختيار كل طريق يتكفل له بسعادة الدنيا سواء عن واسطة العلوم والمعارف التي لا تغني عن معرفة مَن خلق هذا الكون الهائل العظيم،أو بغيرها من الصناعات والإبداعات لمجرد العيش في الحضارات المادية في غلبة وهناء وقوة، وسعادة متخيلة لا علاقة لها بالواقع العملي في حال ما.

عالمنا البشري المادي يعيش اليوم قصوراً شامخة متخيلة، ويطير الإنسان الحضاري الحديث في أجواء اصطناعية وأحلام حلوة لذيذة فلا يجتني من كل ذلك إلا ألواناً وأنواعاً من التعب والشقاء والأمراض القلبية والنفسية،رغم أن معظم أفراد هذا العالم البشري يُعتبرون مثقفين بالثقافات المنوعة المادية الحضارية، ومن هؤلاء من يشغل أحياناً مناصب سياسية جليلة من الحكام والوزراء، والرؤساء، لكبرى الحكومات العالمية والدول التابعة لها، ولكنهم لا يقدرون على التوصل إلى حلول للمشكلات والقضايا التي يجتاز بها إنسان العالم الحديث، بل الواقع أن هذا الإنسان يصاب باليأس ويتمنى النجاة من قيود الحياة والمجتمع، وذلك بالفرار من المسئولية الإنسانية.

ومن هنا نستطيع أن نعرف قيمة العلم والمعرفة وطريق اكتسابه من خلال المنهج الذي شرعه الإسلام حتى نجمع بين بناء الإنسان والعالم البشري على أسس ثابتة من العلوم والمعارف التي تدين بالإسلام وقواعد التربية والتعليم التي رفعها رسول الأنام خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم بأمر قائم دائم من الله تبارك وتعالى إلى يوم الدين، وقد صرح بذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: “فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ” [التوبة:122].

وقال صلى الله عليه وسلم: تعلموا العلم ولو بالصين.

(سعيد الأعظمي الندوي)

×