ذكر رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفقه في التعليم والتربية

حسن خلق نبي الله المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
5 أكتوبر, 2021
الجمع بين الدعاء والعمل
23 ديسمبر, 2021

ذكر رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفقه في التعليم والتربية

عبد الرشيد الندوي

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: دخَلَ أَعْرابِـيٌّ الـمَسجِدَ فصلّى رَكْعَتَينِ، ثم قال: اللَّهمَّ ارْحَـمْني ومحمدًا، ولا تَرْحَمْ معنا أَحَدًا، فالتفَتَ إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: لقد تـحجَّرْتَ واسِعًا، ثم لَـمْ يَلْبَثْ أنْ بال في الـمَسجِدِ، فأسْرَع النّاسُ إليه، فقال لَـهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّـما بُعِثْتُم مُيَسِّرين، ولَـمْ تُبْعَثوا مُعَسِّرين، أَهْرِيقوا عليه دَلْوًا مِن ماءٍ، أو سَجْلًا مِن ماءٍ.

تخريج الحديث: أخرجه البخاري (220)، والنسائي (56) مختصراً، وأبو داود (380)، والترمذي (147)، وأحمد (7255).

شرح الحديث: إن هذا الحديث يعكس لنا شخصية رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كمعلم رفيق رحيم ومرب مشفق لطيف بصير، فلا شك أن أعظم ما يتصف به المعلم هو الرفق والرحمة واللطف والرأفة، والنصح والتنبيه إلى ما فيه الخير والفلاح والصلاح. إنه صلى الله تعالى عليه وسلم نبه هذا الأعرابي الجلف الجاف أنه لا ينبغي أن نحتكر رحمة الله الواسعة وأن نضيق فضل الله العظيم الشامل حيث قال له: “لقد تحجرت واسعا” أي ضيقت الشيء الواسع وهو رحمة الله التي وسعت كل شيء، والتي لا ينقصها شيء ولو أعطت جميع الناس سؤلهم.

ثم انظر إلى صبر هذا المعلم العظيم ورحمته وسعة صدره ورحابة قلبه وسماحة نفسه أنه تعامل مع هذا الرجل الذي بال في المسجد بكل رفق ولين، ولم يستعمل العنف والشدة والغلظة في هذا الموقف الحرج حتى إنه نهى أصحابه رضي الله تعالى عنهم من تأديب هذا الرجل وزجره وتوبيخه خشية أن يتضرر ويتأذى بقطع بوله فقال:”لا تزرموه” أي: لا تقطعوا عليه بوله كما جاء في رواية أنس رضي الله تعالى عنه، وبعد أن قضى الرجل حاجته دعاه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأقبل عليه يعلمه آداب المسجد ويرشده إلى تعظيم شعائر الله فقال: إنَّ هذه المساجِدَ لا تَصلُحُ لشيءٍ مِن القَذَرِ والبَولِ والخَلاءِ، أو كما قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّما هي لِقِراءةِ القُرآنِ وذِكرِ اللهِ والصَّلاةِ. (أخرجه البخاري (221، 6025) مفرقاً ومسلم (285) عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه)

وهكذا فليتحل المعلمون بالصبر والأناة والحلم وكظم الغيظ لكى يؤتي تعليمهم ثماره المرجوة ونتائجه المتوخاة، وإليك قصة أخرى تشف عن تعامله صلى الله تعالى عليه وسلم وأسلوبه في تعليم الجاهل وتنبيه الغافل وتبصير الأمي:

عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله تعالى عنه:صلَّيتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: فعَطَسَ رَجُلٌ مِن القَومِ، فقُلتُ: يَرحَمُكَ اللهُ، فرَماني القومُ بأبْصارِهِم، فقُلتُ: واثُكْلَ أُمَّياهُ! ما شَأْنُكُم تَنظُرونَ إليَّ؟! قال: فجَعَلوا يَضرِبون بأيْديهِم على أفْخاذِهِم، فعَرَفتُ أنَّهم يُصَمِّتوني، لكنِّي سَكَتُّ، فلمّا قَضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاةَ بِأبي هو وأُمِّي، ما شَتَمَني ولا كَهَرَني ولا ضَرَبَني، فقال: إنَّ هذه الصلاةَ لا يَصلُحُ فيها شَيءٌ مِن كَلامِ الناسِ هذا، إنَّما هي التَّسبيحُ والتَّكْبيرُ وقِراءةُ القُرآنِ، أو كما قال. أخرجه مسلم (537)، وأبو داود (930) وأحمد (23767).

والحمد لله الذي هدانا للإسلام وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه.

×