منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (11)

السيد أبو ظفر الندوي: حياته ومآثره
21 أغسطس, 2022
العلامة المحدث عبد الرحمن المباركفوري ومزايا كتابه ” تحفة الأحوذي”
7 سبتمبر, 2022

منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (11)

الشيخ بلال عبد الحي الحسني الندوي

التعريب: محمد خالد الباندوي الندوي

منهج القرآن الدعوي المعجز في ضوء دعوة الأنبياء والمرسلين

ألقى الشيخ الندوي حول هذا الموضوع محاضرات قيمة نشرت فيما بعد في صورة كتاب مستقل تلقته الأيدي بالقبول والاستحسان، تحدث فيه عن المنهج القرآني الدعوي في ضوء منهج الدعوة القرآني المعجز بشيئ من الإسهاب والتفصيل، وأتى بكلام لطيف مستدلا بالآيات القرآنية التى وردت في سياق دعوة الأنبياء أمتهم إلى عقيدة التوحيد.

تأمل كيف كان أسلوب الخليل عليه السلام في دعوة أبيه الذي تربي في حجره وعاش في أكناف حنانه وشفقته، يضفي بيان القرآن الكريم على ذلك بكلامه المعجز البليغ ويصور منهج الخليل الدعوي تصويرا صادقا، يقول القرآن الكريم:

“وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا” [مريم:41-45].

يفسر الشيخ الندوي أسلوب إبراهيم الخليل بقلمه السيال البليغ، فيقول:

“إذا تدبرنا في هذه الآيات وما فيها من النكت اللطيفة والحكم الدقيقة تجلت لنا عدة أمور تنير لنا المنهج القرآني للدعوة والإرشاد الذي سلكه الأنبياء والمرسلون:

(1) إثارة للحنان الأبوي:

“أولا تتأملون في قوله: “ياأبت” لهجة فيها الرقة وفيها البر، وفيها التواضع وهذا يرجع إلى الذوق السليم، كذلك كان الذين تذوقوا القرآن، وتشربوا روحه، إذا قرؤوا آيات الرحمة ترق قلوبهم وتلين أصواتهم، فالولد إذا خاطب أباه بقوله “ياأبت ” أثار فيه الحنان الأبوي، وكان يمكن لابراهيم أن يصيح فيقول: يا سيدي، أو يقول: ياشيخ الكهان، لأنه كان كاهنا، ولكنه يقول: “ياأبت” تعمد إبرايهم هذه الكلمة ليصل بها إلى أعماق قلبه، ويثير فيه الحنان، فالولد مهما بلغ الغضب من والده، إذا ناداه بقوله:”ياأبت” يا والدي الكريم رق وتهيأ لسماع كلامه، إن إبراهيم أثار فيه الحنان قبل أن يثر فيه الإيمان، والحنان يسبق الإيمان أولا، فقد يكون الوالد حنونا، ولا يكون مؤمنا فهذا الحنان هو الذي يستطيع الإنسان أن يعتمد عليه، ولا ينبغي للداعي الحكيم أن يغفل هذا الجانب، وإذا أغفل هذا الجانب فإنه أساء إلى نفسه، وأساء إلى دعوته، إذا كان غليظا : ولو كنت فظا غليظ القلب لانفصوا من حولك” فالرسول عليه الصلوة والسلام رعى هذا الجانب مع عمه أبي طالب، فخاطبه في مواضع دقيقة محرجة بقوله: “يا عم” فقال حين رأى حيرته في أمر الدعوة إلى الإسلام وارتباكه فيها وتخوفه من معرة قريش، ” يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر، حتى يظهره الله أو أهلك دونه ماتركت”.

وكانت نتيجة هذه الرقة مع الصرامة، وإثارة العاطفة الإنسانية في أبي طالب -مع إيثاره لدين آبائه-أن قال له، وقد خاطبه بقوله: يا ابن أخي، كما خاطبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “يا عم”: ” اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت، فو الله ما أسلمك لشيء أبدا”.

إصلاح المجتمع الإنساني

إن محور الدعوة عند الشيخ الندوي ينحصر على إصلاح المجتمع البشري وإزالة ما طرأ عليه من عوامل الفساد والضرر وتغيير البيئة الفاسدة المضطربة إلى بيئة صالحة آمنة،وتنصب جهوده على مجال تزكية القلوب والضمير الإنساني، وذلك هو ما عرفه من منهج دعوة الانبياء والمرسلين،ودعا إليه طول حياته من خلال ما كتب من المقالات وألقى من المحاضرات،أن الداعي لابد أن يكون لينًا في كلامه،هادئًا في عرض دعوته ناصحًا للمدعو،مراعيًا لطبيعته ونفسيته فتكون دعوته مؤثرة على نفسه. يقول الشيخ الندوي مستدلا بدعوة سيدنا موسى عليه السلام لفرعون حينما كلفه الله سبحانه وأمره بالقول اللين يقول:       

“بعد ذلك لا يمكن أن يتعلل إنسان ويقول: إني أغلظت لفلان القول لأنه كان كذا وكذا، لأنه ما يمكن لإنسان أن يبلغ إلى هذا المدى من الوقاحة ومن الصلف ومن الكبرياء ومن التحدي لقدرة الله تبارك وتعالى وجبروته وملكه، فيقول: “أنا ربكم الأعلى”.

إن أساس الدعوة إبلاغ الفكرالصحيح إلى المخاطب بطريقة موحية وأسلوب ناصح يلائم طبيعته،ويبذل جهد طاقته ليصل إلى قلبه،وإذا كان المخاطب من الأمراء ورجال السلطة فيلزم عليه أن يكون اهتمامه أكثر ومنهج دعوته أبلغ وأنصح،ويركز عنايته على أن يتعظوا بنصيحته ويقبلوا دعوته.

وقد راعى الشيخ الندوي أساليب الدعوة في كل مناسبة مهما كانت الظروف،لم يتنازل عنها قيد شعرة،فخاطب العامة والخاصة وقادة الحركات الإسلامية ورؤساء الجامعات ورجال السلطة والأمراء والوزراء،خاطبهم بما يناسب طبيعتهم وأمرهم بما يلائم منصبهم، ولم يتجاوز في خطابه لهم ما يلزمه من الاعتدال والوسطية، فوقع كلامه موقعا حسنا.

   إنه أرشد الملوك والأمراء والقادة والرؤساء إلى فكر سليم ووعي ديني، وبذل جهده في توجيه أذهانهم إلى وجدان ديني بلقاءاته ورسائله وحواره، وتجلي أثره في بيئات البلدان المختلفة. (يتبع)

×