منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (7)

الشيخ الحاج معين الدين الندوي
18 يونيو, 2022
عاصفتان في دلهي (1)
26 يونيو, 2022

منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (7)

الشيخ بلال عبد الحي الحسني الندوي

التعريب: محمد خالد الباندوي الندوي

موقفه من الحركات الإسلامية المعاصرة:

كان الشيخ الندوي يرى أن الحركات الإسلامية والجماعات الدينية يجدر بها أن تكون بعيدة أبعد ما تكون عن النشاطات السياسية وتعمل عملها في إيقاظ الوعي الإسلامي وتنشيط الصحوة الإسلامية، وتصب جهدها لتقريب الجيل المسلم إلى الشعور بما عليه من المسؤليات نحو الدين الإسلامي وتحذر من الدخول  في الحقل السياسي قبل تكوين الجو الصالح للتغيير والانقلاب.

وكانت له صلات وطيدة بحركة الإخوان المسلمين في مصر واتصل أكثر من مرة بأعضائها وعرف مناهجها عن كثب، فتحدث عن مؤسسها ورئيسها الأول الشيخ حسن البنا الشهيد يقول:

“أيقنت – بما سمعت من أعضاء الحركة وما شاهدت من آثار دعوته في الشعب المصري- أنه من الشخصيات البارزة العظيمة التى قيضها الله سبحانه لتأسيس حركة دعوية وإحداث ثورة إسلامية في البلاد، ورزقه مواهب صالحة متنوعة لإدارة الحركة والوصاية عليها، فقد كان حازمًا بصيرًا  لين الجانب كريم العريكة، متوقد الذهن، ذكي الفؤاد حلو اللسان فصيح الكلام رحيمًا ودودًا، وكان كريم الشمائل دمث الخلق ترتاح لها النفوس وتنجذب إليها القلوب، وكنت كلما أنشد شعر إقبال الذي وصف فيه صفات الرجل المؤمن القرآني أتذكر الإمام حسن البنا وشخصيته العبقرية المثالية وأشعر كأن الشاعر ساح في آفاق الخيال وتخيل شخصيته بقوته الشاعرة واتصل بها فصاغها في قالب شعره وكأنه رآى حسن البنا بأم عينيه وهو يقول:

“الطموح إلى المجد، والبصيرة بالأمور واللسان العذب والنفس الكريمة المتدفقة بالحب والعاطفة الصادقة إنما هي خير زاد لأمير الركب البشري”.

ويتحدث الشيخ الندوي عن حركة الإخوان فيكتب:

“وقد عرفت هذه البلاد وماجري في مختلف فتراتها من انقلاب ديني وثورة فكرية، وبحكم زيارتي للأقطار الإسلامية بما فيها مصر، وطول إقامتي فيها للأمور الدعوية عرفت أن لحركة الإخوان أثرًا كبيرًا في النفوس والعقول، وقدأحدثت ثورة إسلامية صالحة في الأقطار الإسلامية، وقامت بشيء كثير من التغيير في مناهج الفكر وطريقة العمل، فامتلأت النفوس بالعاطفة الإيمانية والغيرة الدينية والصدع بالحق والجهر بكلمة الإسلام، حتى أن الذين كانوا يستحيون من ذي قبل على التمسك بمبادئ الإسلام والعمل بالتعاليم الإسلامية وأدء الشعائر الدينية أصبحوا جاهرين بالحق، لا يخافون فيها لومة لائم، وقد تأثرت كثيرًا بما شاهدته من جرأة الإخوان المسلمين في سبيل الحق حتى انطلق لساني بكلمة الثناء على صفاتهم الإيمانية وقلت: الإخوان لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق”. (حركة الإخوان المسلمين، ص: 47)

ويتجلى موقفه الصريح من حركة الإخوان -مما كتبه الشيخ الندوي في مقدمته على كتاب” حركة الإخوان المسلمين ” للدكتور رضوان على الندوي فيقول:

 “والحق أن حر كة الإخوان لو توقفت قليلا وتورَّعت عن الخوض في النشاطات السياسية وصبت جهودها في الحقل الدعوي والعمل الإصلاحي لشاهد العالم الإسلامي انقلابًا هائلاً وثورة إسلامية تحيي النفوس الميتة، وتنفخ فيها روح الحياة، وتعيد إليها الثقة المفقودة من جديد، وقد بلغني من المصادر الموثوق بها أن الشيخ حسن البنا الشهيد – رحمه الله- كان يعترف في آخر أيامه بخطأ الخوض في المجال السياسي حتى حدث ما قدر الله من محن ومصايب، وأزمات وشدائد، وكان يتمنى يا ليت الظروف تساعده والأحوال تواكبه وتمكن هو من الاشتغال بالشؤون الدعوية والتربوية وإعداد الجيل الجديد والجماهير المسلمة على مبادئ الصبر والاستقامة المطلوبة لقبول أي انقلاب ديني، ليقدر المسلمون على القيام بما عليهم من الواجبات نحو الدين الإسلامي على بصيرة، ومواجهة الفتن والأزمات بالصبر والصمود”. (حركة الإخوان المسلمين: 47/48).

وكان الشيخ الندوي يقف من الجماعة الإسلامية التي أنشأها العلامة المودودي موقفه من حركة الإخوان ويرى أن تَدَخُّل الجماعة الإسلامية في المجالات السياسية قبل تهيؤ الجو الصالح قد أضر بكثير من جهودها الدعوية المخلصة وعَرْقَل سيرها لتحويل الحالة السيئة إلى الحسنة، وقد تحدث عن الإمام المودودي فكتب:

“وأعتقد أن الإمام المودودي قداعترف في آخر أيامه بما صدر منه من استعجال الخوض في العمل السياسي قبل أوانه وأدرك أن كواهل أعضاء الحركة والمتحمسين لها تكاد تنوء بحمل ذلك العبء الثقيل وأنه لم تعد الأرض تصلح لغرس ما يريد أن يغرس فيها وللعمل الإصلاحي الذي يحلم به، وكأنه اعتراه حسن الظن والتعجل في مجاوزة تلك المرحلة الحاسمة الدقيقة والواقع أن الجماعة الإسلامية كانت – كما صرح بنفسه -في حاجة إلى تربية الذات وتكوين السيرة والخلق الفاضل من الصبر والمثابرة أكثر مما حظي بها في تاريخها الماضي” (براني جراغ:2/266- 267).

وأضاف قائلا:

“وقد كان يرجى مما وهبه الله سبحانه من الذكاء المفرط وقدرة الاستنتاج من تقلبات الأحوال أنه لو سنحت فرصة وبورك له في عمره وصحته وبقي زمام الجماعة في يده لأتى بتغييرات جذرية وتعديلات واسعة بعيدة الأثر في مناهج جماعته،ولأعار اهتمامه بتكوين المجتمع الإسلامي أكثر منه بإقامة دولة إسلامية، وركز جهوده على هذا الجانب المهم ولقد سعدت بلقائه في مدينة لاهور حينما سافرت إليه وذلك في آخر أسبوع من شهر يوليو سنة 1978م وقلت له: إني أشعر بضرورة إنشاء حركة إسلامية في باكستان مثل “حركة رسالة الإنسانية” تهدف إلى إزالة ما تفشى في المجتمع من التدهور الخلقي وتزويده بالقيم الفاضلة النبيلة فأبدى إعجابه بالفكرة ودعا لي بالبركة وزودني بكلمات التشجيع”. (براني جراغ:2/267-268). (يتبع)  

×