منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (16)

منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (15)
26 نوفمبر, 2022
منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (17)
12 يناير, 2023

منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (16)

الشيخ بلال عبد الحي الحسني الندوي

التعريب: محمد خالد الباندوي الندوي

سافر الشيخ الندوي سنة 1962م إلى الكويت واتصل بسمو أميرها الشيخ عبد الله السالم، وزوده بنصائح قيمة وتوجيهات رشيدة، وقدم إليه رسالة له تنبئ عن أسلوبه المخلص في توجيه النصح والإرشاد، تشتمل على إخلاصه لصالح البلاد وأهلها وحرقته الشديدة على أوضاع الأمة الإسلامية، فقد بدأها بالإشادة بالمآثروالمحامد التي اكتسبها أمير الكويت في عهده، ثم صرح بالأوضاع المؤلمة القاسية التي تمربها البلاد يقول فيها الشيخ الندوي:

“إن الله سبحانه وتعالى قد منح سموكم فرصة نادرة في التاريخ، تستطيعون أن تمثلوا دورًا خالدًا يذكر ويشكر، وهو ملأ أروع فراغ في مدنيتنا الحاضرة، وذلك الفراغ هو فقدان دولة تجمع بين الدين والمبادئ، وبين الوسائل والمادة، وفقدان مجتمع يجمع بين الإيمان والأخلاق، وبين اتصال بالعالم المعاصر والاستفادة بالتجارب الجديدة، وذلك فراغ لا يملؤه الآن أكبر دولة في العالم، وكل من يمثل هذا الجمع النادر بين الدين والمدنية هو رجل الساعة المنتظر، وكل دولة تظهر بهذا الشعار هي دولة تحتل المكان الأول معنويًا في قائمة الدول والحكومات، وتتمتع باحترام لا تتمتع به أعظم دولة في العالم، هذا عدا النصر والتأييد الإلهي والبركات الكثيرة والحب العام الذي وعد الله به عباده المؤمنين الصالحين الذين يستخلفون لهذا الدين، ويحتضنون رسالته ويجاهدون في سبيلها.

والوسائل لتحقيق هذا الغرض متوفرة، والفرصة سانحة، والأمر ميسور، إذا صحت العزيمة وقويت الإرادة “إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” [محمد:7].

إن الله سبحانه وتعالى قد قضى منذ بعث رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا نهضة للعرب ولا سيادة ولا وحدة ولا حل لمشكلاتهم، إلا عن طريق هذا الدين وعن طريق محمد صلى الله عليه وسلم، والتاريخ يشهد لذلك، والحوادث الجديدة قد برهنت عليه، فكل من يحاول أن يضعف صلة الأمة العربية بمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، أو يحدث عنها كأمة مستقلة كانت قبل محمد صلى الله عليه وسلم وكانت بعده، وستظلّ قائمة بمواهبها وإمكانياتها، وتبني كيانها على أساس آخر، أقدم من البعثة المحمدية أو جديد، فهو يجني على الأمة العربية جناية لا تعدلها جناية وجريمة، ويقتلع من نفسها جرثومة الإيمان ويزلزل عقيدتها، ويهدم ما بناه المصلحون والمخلصون، وما بنته الأمة العربية في قرون، ولا يستحق تشجيعًا من دولة عربية مسلمة، فهو أعدى عدوّ لها، وهو الذي يقطع صلتها عن ماضيها وعن دنيا الإسلام الواسعة، وينضب معينها من غير تعويض يكافئ هذه الخسارة العظيمة، ومثل سموكم في غنى عن الشرح والتفصيل.

هو توجيه المعارف في البلد الإسلامي العربي توجيهًا إسلاميًا مؤسسًا على تفكير أعمق، وتصميم وتخطيط خاص يتفق مع رسالته، وعقيدته، إذ “المعارف” هي مربية للأجيال القادمة، وعليها يتوقف مستقبل هذا الشعب الديني والخلقي واتجاهه وتوجيهه للمدنية، ومنع الميوعة والتفسخ الخلقي في الشباب والنشء، لأنه ما دخل في أمة إلا ضيعها وأذلها وأضعفها، وهو يعارض الاستقامة التي يطلبها الدين، والفروسية التي تقتضيها العروبة، الأمر الذي تحرصون عليه سموكم ولاشك.

الذي تشكرون عليه هو مساعدة الشعوب المسلمة وتكميل مشروعاتها التي لا بقاء لها بغيرها، بما يفضل عن تقوية شعبكم الكريم وتنظيم شؤونه، ففي ذلك تقوية لشعبكم وزرع للحب في النفوس، وشكر على نعمة الله العظيمة.

هو الحذر من قيام المعابد لغير المسلمين في أرض هذه الجزيرة التي ولاكم الله أمرها واستخلفكم فيها، فإن وجود هذه المعابد في هذه الجزيرة التي أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجريدها للإسلام والمسلمين وعقيدة التوحيد الخالصة وعبادة الله وحده، التي جاء بها الإسلام، وإخلائها من اليهود والنصارى الذين هم أهل الكتاب فضلاً عن عباد الأوثان، وقد صح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أدع فيها إلا مسلمًا”، وقال في آخر كلامه في الدنيا: “لا يبقين دينان على أرض العرب” وقالت عائشة رضي الله عنها: “كان آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: لا يترك بجزيرة العرب دينان”، ووجود هذه المعابد خطر على سلامة هذه البلاد، فإن أهلها يطالبون بحمايتها ويستغلون وجودها، فتنشأ مشاكل يعجز العقلاء عن حلها.

كذلك الحذر من تضخم عدد الأقليات غير الإسلامية والجاليات الأجنبية واستفحال أمرها وقوة مركزها، وتملك هذه الأراضي، فإنها ستنشئ دولة في ضمن دولة، وقضايا معقدة تدع الحليم حيران.

وفي ذكاء سمو الأمير وبعد نظره وتجارب البلاد والأمم ما يغني عن تفصيل هذا الإجمال وعن الإطناب في هذا الموضوع.

وأرجو المسامحة في هذه الجراءة التي لم يكن دافعها إلا الإخلاص والدين”.

(كيف ينظر المسلمون إلى الحجاز وجزيرة العرب:110-113).

ويتجلى من هذه الرسالة أيضا فراسة المؤمن الغيور وبصيرته النافذة إلى بواطن الأمور فإنه تفرس بنظرته الإيمانية ما حدث اليوم، بعده، وتمثل اليوم حقيقة.

شرق الأردن

سافرالشيخ الندوي إلى مملكة شرق الأردن سنة 1957م، فاتصل بجلالة ملكها الشيخ عبد الله مرتين، فانتهز الشيخ الندوي تلك الفرصة ولفت عنايته إلى قضية فلسطين،وتحريرها من الأيدي الغاشمة كما لفت عنايته إلى المشاكل التي يعانيها اللاجئون من الشعب الفلسطيني،وكان يصحبه في الرحلة الأستاذ عبيد الله البلياوي-رحمه الله- وهو يقول:قال الشيخ الندوي لجلالة الملك:ما من شعب اتبع الدين الإسلامي لكامل معناه واتخذ تعاليمه منهاجا لحياته ودستورا لبلده أصبح مثالا رائعا للبلدان الأخرى ورحمة للعالم كله وإن كان بلده صغيرا،وجنوده قليلة،وعدته حقيرة”. وإن جلالة الملك كان يستمع إلى كلام الشيخ الندوي وينظر إلى أحد وزارئه شزرا كأنه يقول له:أنظر إلى مايقول الداعية الهندي وإلى عقيدته الجازمة بعبقرية الإسلام”.

قد ذكر الأستاذ عبد الله عباس الندوي في كتابه “مير كاروان”: أن جلالة الملك قدم إليه هدية غالية فلم يمتنع من قبولها لأن ذلك إساءة إلى جلالة الملك ولكنه أرسلها في صندوق تمويل مصالح الشعب الفلسطيني،وكان جلالة الملك يرعي ذلك الصندوق”.

ثم سافر إليها الشيخ الندوي مرة أخرى سنة 1973م كرئيس لوفد الرابطة الإسلامية العالمية، فوجد أمور المملكة متغيرة لم تكن على حالتها السالفة،وكان يتقلد زمام المملكة حفيده الملك حسين،وكان هذا السفر على دعوة منه،فاغتنم الشيخ الندوي الفرصة وألقى أمامه خطبة متدفقة بقوة الإيمان،ودعا الملك إلى ما يجب عليه من القيام بإراحة الشعب الفلسطيني واللاجئين السوريين قال فيها: إن بعض الصالحين في الزمن السابق كان يقول: لو لم تكن لي إلا دعوة مستجابة لجعلتها لولي الأمر فإن في صلاحه صلاح البلد وفي فساده فساد البلد وإن لم أكن بهذه المكانة ولكني أتجاسر وأقولها للملك:

“لا يتركوا (اللاجئون السوريون) تحت رحمة المبشرين المسيحيين وجمعية غوث اللاجئين تستغل وضعهم الشاذ المزري المغري الذي يعيشونه، إنها أكبر مسئولية في الدنيا والآخرة وإننا جميعًا موقوفون أمام الله، مسئولون عن هؤلاء البؤساء الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله”.

(من نهر كابل إلى نهر اليرموك:202-203)

ولم يكن من جلالته إلا حسن الإصغاء والتواضع وانتهى المجلس ومشى الملك يودعه ويسلم عليه.

×