قراءة في مقال للشيخ محمد الرابع الحسني الندوي بعنوان “إلى أين أيها العرب؟”

Test
24 نوفمبر, 2021
كتاب “محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين”
17 يوليو, 2022

قراءة في مقال للشيخ محمد الرابع الحسني الندوي بعنوان “إلى أين أيها العرب؟”

الدكتور محمد أكرم الندوي، أوكسفورد

نشر في جريدة “الرائد” الصادرة في دار العلوم لندوة العلماء العددان 16 و17، 2 شوال و7 ذو القعدة سنة 1385ه

أطلعني أخيرا صديقاي الحميمان العالمان الشيخ محمد زياد التكلة والشيخ تركي الفضلي حفظهما الله تعالى على رسالة نشرتها جمعية الإصلاح الاجتماعي من الكويت في ربيع الثاني سنة 1386ه بعنوان “مذكرة أساتذة جامعة دمشق، وخلاصة لردود بعض رجال الفكر الإسلامي على مفتريات مجلة العربي”، جاء في مقدمتها: “أثار المقال الذي نشرته مجلة العربي في عدد فبراير 1966م حول صحيح البخاري نفوس الغيورين على السنة النبوية والعارفين بقدر الإمام البخاري ومكانته العلمية … وأحدث استياء عاما وسخطا كبيرا في جميع الأوساط الإسلامية”.

ووجدت في هذه الرسالة إحالة على مقال لشيخنا محمد الرابع الحسني الندوي رئيس ندوة العلماء بعنوان “إلى أين أيها العرب” رد فيه على مقال مجلة العربي، وكان الشيخ إذ ذاك في مقتبل عمره، فتحركت مشاعري برؤية هذا التضامن الإسلامي وتوحد علماء الأمة ومفكريها من كافة أنحاء العالم ضد الهجمات الشرسة على مصادر هذا الدين.

وتذكرت بذلك قيمة الدور الذي لعبته مجلتا ندوة العلماء “الضياء”، و”البعث الإسلامي”، و جريدتها “الرائد” في التصدي للأفكار الزائغة والمذاهب الهدامة والمؤامرات الشرسة التي تكاد ضد الإسلام والمسلمين، وأن ندوة العلماء لم تدخل في مجال الصحافة العربية من منطلق الدعاية لحركتها ولدار علومها، بل لتؤدي رسالة فكرية وعلمية، وأمانة دينية وإسلامية جنبا لجنب عامة الصحافة العربية الإسلامية في العالم العربي.

وقد اعترف بهذا الدور أعلام المفكرين العرب المسلمين، يقول الشيخ علي الطنطاوي: “ومن المجلات الواعية التي عرفتها، أقول منها ولا أسميها كلها، “البصائر” مجلة جمعية علماء الجزائر التي كان يشرف عليها ويكتب بقلمه البليغ افتتاحياتها الصديق الشيخ البشير الإبراهيمي، و “الضياء” للأستاذ مسعود الندوي في الهند، و “المجتمع” التي تصدر اليوم في الكويت، و “الرائد” التي تصدر في الهند فيما تصدر المؤسسة الإسلامية الجليلة ندوة العلماء. (الذكريات 1/335)

لما مرت بي تلك الإحالة رجعت إلى ملفات صحيفة “الرائد” القديمة أتصفحها، حتى اطلعت على مقال شيخنا العلامة الشريف محمد الرابع الحسني، فقرأته، وعجبت من غيرته، ومتابعته لأحدث القضايا التي يواجهها الإسلام، وسررت جدا بدقته في الرد وقوته، وكأن هاتفا غيبيا يناديني أن أشرك غيري في سعادتي هذه، فكتبت هذه السطور استجابة لذلك النداء.

بدأ الشيخ رده بـقوله “لقد اطلعنا نحن المشتغلين باللغة العربية وآدابها في الهند على أعداد مجلة العربي الأخيرة الصادرة من إحدى وزارات دولة الكويت، وقد حملت في صفحاتها بحثا للأستاذ عبد الوارث كبير حول صحة روايات في صحيح البخاري وفي غيره من مراجع الشريعة الإسلامية السمحة، وكان البحث تهجما شديدا كله، واستخفافا خلوا من النزاهة والقصد ودقة البحث وسلامة الفهم، بل كان يمثل محاولة للنيل من صفاء الإسلام والتعرض لمنابع شريعته الصافية بقصد وإرادة”.

واستمر الشيخ قائلا: “لم يكن البخاري نبيا من الأنبياء ولا ملكا من الملائكة حتى يصان عن الزلات والعثرات، غير أن تحريه للحق ودقة تمحيصه للكلام الذي يقدمه في كتابه يفوقان دقة البحث والتمحيص عن كل المؤلفين والجامعين في التاريخ الإنساني، وهذا هو الحق الذي لا يسع أي عالم منصف وباحث عادل أن يتغابى عنه ويماري فيه”.

“ونظرة في شروط الإمام البخاري في أخذه للحديث ورده، والتزامه بهذه الشروط كفيلة بإقناع كل من أراد الحق، ولم يرد المراء والهدم”.

ثم تحدث الشيخ عن مكانة الإمام البخاري في تمييز الصحيح من السقيم وأمانته ودقته، وشدد على أن هذه الأمانة والدقة لا تختصان بالإمام البخاري، بل إن المحدثين الذين هم أقل براعة منه في الصناعة الحديثية يبذلون من وسعهم في هذا المجال ما لا يوجد له نظير في حفظ تاريخ أي حضارة من الحضارات أو ديانة من الديانات.

وأشار الشيخ إلى أصل الداء في أمثال هؤلاء الكتاب المنحرفين والباحثين المغرضين، وهو تطفلهم على موائد المستشرقين، واستراقهم من أفكارهم، وترديد كلامهم رميا إلى التشكيك في الإسلام وتكدير صفوه وبث الكراهية ضده بأدلة لامعة ظواهرها، وساقطة بواطنها مرذولة ملفوفة بالأكاذيب.

وأفاض إلى الحديث عن تلاميذ المستشرقين الأوفياء إلى أن قال: “ومن المؤسف جدا أن نرى مؤلفين وباحثين من هذا الطراز بدأوا يظهرون الآن في الأمة العربية أيضًا وبدأنا نسمع منهم كل يوم نعرة جديدة … لا تسوق إلى نفوس الآلاف من إخوانهم إلا شكا في تراثهم الغالي وآثارهم الخالدة”.

وختم المقال بإبداء أسفه وحزنه على سكوت العرب والمسلمين على مثل هذا الفساد الذي يسلب الناشئة ثقتهم بدينهم وثقافتهم.

وكان للمقال صدى طيب في الأوساط العلمية ولدى المهتمين بالقضايا الإسلامية، إذ أحالت عليه جريدة “أخبار العالم الإسلامي” الصادرة من رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في عددها الأول من السنة الأولى 17 رجب سنة 1386 تحت عنوان “كل ما في البخاري صحيح”.

ولا يسعني هنا إلا أن أشيد بإسهام الندويين البارز في الدفاع عن الإسلام والقضايا الإسلامية، وما أصدق ما اعترف به الشيخ عبد الرحمن جودر من نادي الإصلاح بالبحرين إذ قال: “وإننا إن ننس لا ننسى الإنتاج الصحفي الحر الذي طالما قرأناه على صفحات مجلة البعث الإسلامي الغراء وزميلتها الرائد، اللتين تصدران عن مؤسسات ندوة العلماء، فإن المقالات الجريئة والصيحات المدوية التي كانت تنشر على صفحاتهما، وبخاصة في فترة الخمسينات والستينات حيث كان فيها الفكر الإسلامي والرأي الحر محظورا عليهما، وكانت الأفواه ملجمة، والأقلام محطمة كانت هاتان الصحيفتان المنبر الحر للفكر والرأي، وتتوليان الدفاع عن قادة الحركة الإسلامية ومفكريها، وما تعرضوا له من تنكيل وتقتيل وتشريد كانت “البعث” و”الرائد” الإسلاميتان سيفًا مصلتًا على البغاة والطغاة والعلماء الذين تسلطوا على دنيا العروبة والإسلام في غفلة من الزمن، وعملوا على محاربة العقيدة والدين، ونشروا الإرهاب والفساد، وحاولوا بقهرهم وجبروتهم صد الأمة الإسلامية عن عقيدتها وشريعتها، ولكن الله أبى إلا أن يتم نوره ولو كره الظالمون” (صحيفة الرائد عدد ذي الحجة 1395 ومحرم 1396 ص 16).

×