قيمة الإنسان الحقيقية

سرسعادة الإنسان
25 سبتمبر, 2022
قوم سبأ وكفران النعمة
14 نوفمبر, 2022

قيمة الإنسان الحقيقية

(محمد خالد الباندوي الندوي)

أخي العزيز!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قيمة الانسان – أيها الأخ – ليست من ماله، ولا مما يملكه من جماله، إنما قيمته من المواهب التي أودعها الله في طبيعته، ومن حسن تصريفه إياها، واستخدامها استخداما صالحا، وبحسن تصرف المواهب طاول الإنسان النجوم وتجاوز الأفلاك، وظل ملء سمع الدنيا وبصرها مع مر الدهور والعصور، وبقي رفيعا في المجتمع، فائقا بين الأقران، مميزا بين بني جلدته.

ومن المواهب الربانية للإنسان التي تجب رعايتها: الحزم والعزم، وقوة الارادة والاستقلال بالرأي، وعدم الاخلاد إلى الراحة والاستكانة إلى الدعة، وانها من الصفات التى اذا تحلى بها الانسان، دانت له البلاد، وتذللت له الصعاب، وحيزت له الدنيا بحذافيرها، فأصحاب هذه الصفات هو كالجبل الشامخ في وجه السيول، وكالرجل العبقري بين جماهير الدهماء، والعود المنتصب في مهب الرياح، وهم الذين غيروا مجرى التاريخ وأحدثوا انقلابا في العالم، وبهمتهم العلياء وقوة إرداتهم تعقد الأمة آمالها وتربط بها مصيرها، إذ أنهم ليسوا كالسهول المستوية ينداح السيل ما يعترضه عارض، ولا كجماهير الدهماء الذين يتفشى بينهم التقليد الخاطئ والعرف السيئ فما يرده ذكاء.

وإنك إذا درست – أيها الأخ – سيرة الرسول الأعظم وصحابته الغر الميامين وجدتهم صاحين بين سكارى الجاهيلة وثائرين بين عبيد العادات وأسراء التقاليد الجاهلية,يلمح في أبصارهم بريق الأنفة والإباء، وفي سيرتهم شرف الحرية والإرادة الشخصية، فقد لعبوا دورا حاسما في تغيير البيئة وصيانة المجتمع البشري من الفساد الخلقي وعبودية الناس. وقد أحسن محمد الغزالي وصف هولاء الثوار على الباطل حين قال:

“وإذا كان الله جل شأنه قد صان العمران البشري بالجبال وقال في كتابه (وجعلنا في الارض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا لعلهم يهتدون) فقد اقتضت حكمته العليا أن تصون المجتمع البشري بهذا النفر من حراس الحقائق الرفيعة وحماة المعالم الفاضلة، فهم الدواء الخالد لكل ما يفشو في الدينا من علل، وهم الأمل الباقي لبقاء الخير في الأرض، وإن ترادفت النوب واكفهرت الآفاق”. (حصاد الغرور)

وذلك لأن معلمهم الأكبر هداهم إلى قيمتهم الحقيقية وأرشدهم إلى مهمتهم التي خلقوا لأجلها، وأشربهم حب الحق وجعله خليقة فطروا عليها، فآثروا المقاومة على الاستسلام، وتغيير الواقع على الاستكانة ورفض الباطل – في أي شكل كان – على الخضوع له، فكن أيها الأخ سائرا في طريقهم، فأنت رجاء الأمة ونور المستقبل.

×