شهر السباحة في ملكوت النور

وحدة الفكر والتطبيق
21 فبراير, 2022
صقر قريش
20 أبريل, 2022

شهر السباحة في ملكوت النور

محمد خالد الباندوي الندوي

أخي العزيز!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جعل الله سبحانه وتعالى للإنسان – أيها الأخ – مناسبات مختلفة ليخلو فيها إلى نفسه بعد متاعب الحياة، وتستروح فيها نفسه، وقرر له ساعات عذبة جميلة لكى يتخلص من عناء العمل وجلبة الحياة وضوضائها عاكفا على استكمال ما نقص من قوته الباطنية، فيسمو بروحه إلى حظيرة القدس الالهي يناجي ربه ويدعوه تضرعا وخفية، وينهل من منهله الثر العذب الدافق بالحيوية والنشاط.

 ومن هذه المناسبات العذبة المباركة شهر رمضان الفضيل الذي اختصه الله بالفضل والقدسية، فهو شهر تسنح فيه للإنسان الفرصة للتحلق في سماء القوة السرمدية والسباحة في ملكوت النور، ويشترط له صفاء الطبيعة وجلاء الباطن مما علق به من أدران المادة وشهوات المعدة، فيمسك عن الطعام والشراب، ويتورع عن المجاهرة بالعصيان والارتكاب بالفواحش والمنكرات، ويتجرد فيه عن مطالب المادة ولوازم الشهوات، ويكون بذلك في عالم كله نور وهداية، وجمال وبهجة، وأنس وروعة.

وإن شهر رمضان يتميز عن الأشهر الأخرى بما فيه الفرص السعيدة لسمو الروح الإنسانية _التى غرقت في المادة إلى أذقانها وأرهقت قواها في مزاولة الأعمال الشاقة المتعبة بحكم الظروف والبيئة التى تحيط بها _ إلى عالم التعبد والخلوة والتحنث والعزلة لتستمد قوتها من جديد، وتجدد نشاطها وحيوتها، لمكافحة ما سيحيط بها من ظروف الحياة وملابساتها، فيقضي المؤمن شهر رمضان يعمر أيامه بالصيام ويعمر لياليه بالقيام، ويبتعد جهد طاقته عن ضوضاء الاختلاط وجلبة التقلب في شؤون الدنيا، لأنه جد عليم بأن هذا الشهر هو صقال النفوس والأرواح، وطب القلوب ودواء الأمراض الروحية، فينتهز الفرصة استكمالا لخلوة الروح وحرصا على العبادة وحصولا على الفيوض الربانية.

وقد عرف السلف الصالح من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الغر الميامين أهمية هذا الشهر الكريم، وتأثيره على النفوس والأوراح وكذلك على المجتمع البشري، فجعلوا ساعات هذا الشهر معمورة بالقرآن، مأهولة بالعبادة والذكر، مشغولة بالأوراد المأثورة.

فكن – أيها الاخ – مثل سلفك الصالح في تقدير هذا الشهر الكريم، واغتنم الفرص السعيدة فيها، ولا تكن كالذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، ونسوا ما عليهم من الواجبات، فأهدروا كرامته، وتجاهلوا قدسيته، فاستحكمت على قلوبهم الغفلة، واستحوذ عليهم الشيطان، وران عليهم ما كانوا يكسبون.

×