الحلم وتأثيره على النفوس

مدرسة التضحية والفداء
4 فبراير, 2023
رمضان، شهر القرآن
4 أبريل, 2023

الحلم وتأثيره على النفوس

(محمد خالد الباندوي الندوي)

أخي العزيز!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لعلك – أيها الأخ – اطلعت على كثير مما يضمن للحياة الإنسانية السعادة والهناء، ومن أهم ما يجعل الحياة جنة تحفها عواطف الأخوة والمودة والسلام، الحلم والأناة، فإنه يزيد الإنسان جمالاً وكمالاً، ويزيد في علمه وعمله، ويكثر أنصاره، ويقلل أعداءه، ويتوصل بصاحبه إلى أرفع درجة من منازل السعادة وطمأنينة القلب، فإن الحلم ما قرن إلى شيء إلا زانه، وإذا قرن إلى علم زاده قدراً وقبولاً عند الناس، كما أن الجهل يؤدي بالإنسان إلى النتائج الوخيمة، لذلك أكد القرآن الكريم والتعاليم النبوية الكريمة على اتخاذ الحلم والأناة، وكظم الغيظ وترك الاستفزازات النفسية والأثرة الجامحة للنفس والشيطان.

ذلك لأن الحلم – أيها الأخ – دليل عظمة الإنسان ورسوخ قدمه وحصانة عرضه، كما أن الغضب دليل الجهالة والحقارة، فالإنسان العظيم يكون في الذؤابة من الخير والبر، وكلما حلق في آفاق الكمال اتسع صدره وامتد حلمه وازدادت رحابته، فإنه يشعر بنفسه بين قوم سفهوا أنفسهم وتجاهلوا بمكانتهم وتهاووا على سفاسف الأمور، والتهالك على الاستفزازات النفسية، فلا تغالب الرجل العظيم النزوات الشيطانية إذا جرح أحد في كرامته أو تجرأ على الإساءة إليه للنيل من وقاره، إذ الحلم أعطاه المقدرة على غلبة الأعادي ومكرهم، ومصارعة النفس وغليانها، وسما به إلى أرفع منازل حيث لا تصل إليها همزات الشيطان، فكأنه ينظر إليهم من قمته كما ينظر الفيلسوف إلى صبيان يعبثون في الطريق وقد يرمونه بالأحجار أويكون منهم كما قال الشريف الرضي:

إن مقام مثلى في الأعادي

مقام البدر تنبحه الكلاب

وإليك بعض الأمثلة للعظمة والرجولات الضخمة التى لا تهيجها إساءة، ولا تستفزها جهالة، ولا تثيرها إهانة، لأن جهالات السفهاء تتلاشى في رحابة صدر الحليم، كما تتلا شى الأحجار في أغوار البحر المحيط.

يروى أن يزيد بن حبيب قال: إنما كان غضبي في نعلى، فإذا سمعت ما أكره أخذتها ومضيت.

وقد سب رجل الأحنف بن قيس وهو يماشيه في الطريق، فلما قرب من المنزل وقف الأحنف وقال: يا هذا، إن كان بقي معك شيء فقله ههنا، فإني أخاف إن سمعك فتيان الحي أن يؤذوك.

وقال رجل لأبي ذر: أنت الذي نفاك معاوية من الشام؟ لو كان فيك خير ما نفاك، فقال: يا ابن أخي، إن ورائي عقبة كؤودًا، إن نجوت منها لم يضرني ما قلت! وإن لم أنج منها فأنا شر مما قلت!.

وقال رجل لعمرو بن العاص: والله لأتفرغن لك! قال: هناك وقعت في الشغل!قال: كأنك تهددني؟ والله لئن قلت لي كلمة لأقولن لك عشرًا!. قال عمرو: وأنت والله لئن قلت لي عشرًا لم أقل لك واحدة.

وشتم رجل الشعبي فقال له : إن كنت صادقا فغفر الله لي، وإن كنت كاذبا فغفر الله لك.

وشتم رجل أباذر الغفاري فقال له: يا هذا لا تغرق في شتمنا، ودع الصلح موضعا، فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.

فعليك – أيها الأخ – بترويض نفسك على صفة الحلم وتعويدها على تجرع مرارة الغيظ، فإن تفاقم الغيظ كثيرا ما يفضي بك إلى تفاقد الوعى والشعور، فيتسلم الشيطان زمامك وربما تعصف الاضطرابات النفسية بمشاعرك وتطيش لبك،فلا تعي ما تزود من نصح، ولا ما توجه إليك من نصيحة، لذا أكد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بقوله: ما من جرعة أعظم أجرا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله. ( أخرجه ابن ماجه)

×