من تواضع لله رفعه الله

رمضان، شهر القرآن
4 أبريل, 2023
القيم الإنسانية جوهر السعادة
19 سبتمبر, 2023

من تواضع لله رفعه الله

(محمد خالد الباندوي الندوي)

أخي العزيز!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فقدت الأمة المسلمة – أيها الأخ – بوفاة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي شخصية متعددة الجوانب، فكان داعية إسلاميا من الطراز الأصيل، ومفكرا عظيما صادقا، وقائدا بعيد الغور، ومصلحا حكيما، وأديبا واسع الاطلاع، وكاتبا بارعا ذا قلم سيال، وأسلوب سهل سائغ، أجراه الله الحق على لسانه وقلمه، وشرح لنور الحق صدره، فكان لا يتكلم إلا بالحق، ولا يكتب إلا للدفاع عن الحق، ولا يفكر إلا فيما يعزز الحق ويعزره، وكان مدرسا ذا بصيرة ثاقبة تكشف المواهب فيصقلها صاحبها بتربيته الحكيمة، ويزودها بالأصول والثوابت الإسلامية، وكان عالما ربانيا وخبيرا تربويا تخرج عليه الأجيال التي تقف اليوم كالجبال الراسيات في وجه التيارات الغربية الملحدة، وكان مؤلفا حكيما تذود كتبه القيمة عن الدين الإسلامي وترشد الأمة إلى المواقف السليمة في مختلف شعب الحياة وتربط صلتها بالدين الآفاقي.

 وهذه الجوانب كلها تقتضي إلى أبحاث طويلة ووقفات متأنية للتعرف على ما تحمل شخصيته من المقام المرموق في الأوساط العلمية والأدبية والدعوية. ولا يسع المجال هنا للخوض في تلك الجوانب المتعددة وإنما نقصد في هذا الفصل أن نذكر لك بعض الصفات التي جعلته وردا مورودا، ومنهلا عذبا سائغا لجميع الطبقات والفئآت من الأمة الإسلامية لكي نستنير من شمس حياته الوهاجة ونتبع خطواته الصائبة في دروب الحياة.

ومن أهم ما اتصف به شخصية سماحة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي: الصدق والإخلاص والتفاني في المقاصد التي ينهض بها في التربية والتعليم والتوجيه الإيماني، ومنهجه الوسط المعتدل للتعامل مع مختلف الطبقات الإسلامية والجبهات الدعوية وكان بعيدا عن التطرف والغلو في الإدلاء برأيه واللجاج في تنفيذه، وكان أحرص الناس في البذل والعطاء لبناء الشخصية الإسلامية السليمة والقوية للفرد والمجتمع.

ومع ما أكرمه الله سبحانه من الصدق والإخلاص في المهمات التي يضطلعها، ووفور علمه وغزارته وذهنه الأخاذ ومكانته السامية في مختلف المجالات كان غاية في التواضع، والورع والتقى، وكان عف اللسان من الغيبة والنميمة، سليم الصدر من دواعي الحقد والضغينة، وهى التي جعلتهم في الواقع حبيبا إلى النفوس وقريبا الى القلوب، ولا ريب أن الإنسان إذا ابتعد عن الظهور وترك الشهرة وأخلص عمله لله أكرمه الله بالرفعة في الدنيا والآخرة كما جاء في الحديث النبوي الشريف “من تواضع لله رفعه الله”.

وكان – رحمه الله – أبعد شيئ من حب الظهور والسمعة الكاذبة، لا يتظاهر بعلمه وورعه لا بالملبس والزينة، وإنما يعيش حياة رجل عادي، حياة السذاجة والتقشف والزهد والعفاف، يتجنب جهد طاقته عن الادعاء بالعلم والتفاخر بالحسب رغم أنه كان من أسرة كريمة المحتد عريقة في الكرم.

فمن كان هذا شأنه – أيها الأخ – أكرمه الله سبحانه وتعالى بالقبول ويجعله يتربع على قلوب العباد، وذلك وعد الله سبحانه في كتابه العزيز حيث قال:” إن الذين آمنوا وعملو الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا”.

×