“إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”

الحاجة إلى ملأ الفراغ …
4 أبريل, 2021
ألمانيا.. جرائم اليمين المتطرف تتجاوز 23 ألفاً خلال 2020
27 مايو, 2021

“إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”

انقضت العشرة الأولى من هذا الشهر المبارك، وسنتقضي العشرة الثانية بعد أيام حتى تجيئ العشرة الثالثة الأخيرة، وينتهي بها شهر رمضان، شهر المغفرة والعتق من النيران، ويتفرق الناس بعده أصنافاً متعددة، ودرجات متفاوتة، كل بحسب ما قام به من أعمال صالحة، فمن صام رمضان إيماناً واحتساباً، وسهر لياليه إيمانا واحتساباً نال جائزة الرب جل وعلا من الغفران، وعلو الدرجة في الجنان، وكذلك من أدرك حقيقة الصيام، وقام به خير قيام، وتدبر في قول الله عزوجل: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” [سورة البقرة: 183] نال درجة التقوى، وفاز بمنازل المتقين، والمتقون كما قال عزوجل: “إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر”.

وأما الذين دخل عليهم رمضان ولم يزدادوا فيه خيراً، ولم يتغيروا عملاً وحالاً، وصاموا رمضان عادة لا عبادة، ولم يحتسبوا الأجر، ولم يطلبوا الرضوان، ولم يدركوا حقيقة الصيام، وقضوا هذا الشهر المبارك كشهور أخرى في الغفلة والنسيان، عدواً من الخاسرين، والمحرومين، وصدق فيهم قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم:”رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه إلا التعب والسهر”.

إن هذا الشهر المبارك الذي يكاد ينصرم يعلمنا أن الإنسان يستطيع أن يغير كل شيء في حياته، فإذا استطاع أن يغير أوقات الطعام والنوم والراحة، وإذا استطاع أن يمتنع عن الأكل والشرب أثناء الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وعلى مدى شهر رمضان كله، وإذا استطاع أن يسيطر على اللسان والجوارح، وإذا استطاع أن ينقطع إلى العبادة، وإذا استطاع أن يكثر من أعمال الخير والبر، وإذا استطاع أن يوطد علاقته بالقرآن وعلاقته بالمسجد، وإذا استطاع أن يحسن التعامل مع الناس على خلاف عاداته وعلى خلاف طبيعته على مدى شهر رمضان كله، فإن ذلك يدل على أننا نستطيع كل ذلك في سائر حياتنا، فإذ استطعنا في هذا الشهر أن نمتنع عن الأعمال التي أحلها الله سبحانه وتعالى وعملنا بها، وتعودنا عليها طوال السنة، فكيف لا يمكن أن نمتنع طوال السنة عن الأفعال التي حرمها الله عزوجل، وتأباها الطبائع والضمائر ولا يرضى عنها المجتمع من الكذب، والغيبة، والنميمة، والخديعة، وشهادة الزور، وغيرها من الأفعال الشنيعة، التي تعارض الشريعة، وتفسد المجتمع، وإنما يحتاج ذلك إلى عزم وإرادة، والله يوفق ويسهل الأمر.

فعلينا أن نعقد العزم ونأخذ على أنفسنا العهد أن نتغير للأفضل، نتغير للخير، قال الله عزوجل: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” فلا يغيرنا الله حتى نغير أنفسنا، وعلينا أن نقضي حياتنا كلها كما قضينا هذا الشهر كله في الطاعة والعبادة وأداء الحق وفي أعمال الخير والبر، ويجب أن تستمر روح رمضان طوال العام حتى تؤتي ثمارها في القلوب، وتعمل عملها في النفوس.

جعفر مسعود الحسني الندوي (رئيس التحرير)

×