تدخل صحيفتنا عامها الثالث والستين من عمرها

ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة
6 يونيو, 2021
بين التفاؤل والتشاؤم
17 أغسطس, 2021

تدخل صحيفتنا عامها الثالث والستين من عمرها

تدخل صحيفتنا “الرائد”بهذا العدد عامها الثالث والستين، ونحن نعيش في عصر نستطيع أن نسميه بعصر الكذب، بعصر الخداع، بعصر الخيانة، بعصر اختلاق الأكاذيب، وتحويل الأباطيل إلى حقائق لا يسمح لأحد أن يشك فيها، فضلاً عن أن ينكرها، وكل ذلك يرجع إلى الآلة الإعلامية التي تحولت اليوم إلى صناعة تكسب منها الملايين من الناس مليارات من الدولارات بكل مكر ودهاء، نرى اليوم عكس ما يحدث وغير ما يقع، وخلاف ما يجري، نرى للحروب صورة، للسلم صورة، للبسمات صورة، للمقابلات صورة، للأشلاء المبعثرة صورة، للجثث المنثورة صورة، للبيوت المتهدمة صورة، للمزارع المحترقة صورة، للدخان المرتفع صورة، حتى للمقاتلات المحلقة في الأجواء صورة، للطائرات المصطدمة بالأبراح العالية وتحوُّلها إلى الأنقاض صورة، لإطلاق الصواريخ صورة، لقذف القنابل صورة، حتى للأوبئة الفاشية والمصابين بها صورة، كلها صور تصنع في مكاتب الإعلاميين، ونحن مكرهون على أن نصدقها، ولا نعلم ما تخفيه هذه الصور من الحقائق، وتسدل عليها من الستائر، وما يتحقق بها من الأهداف التي لا تتطرق إليها أذهان عامة الناس، فنحن نؤمن بما تنشره الصحف وتبثه الإذاعات، وتنقله القنوات التي يملك معظمها الصهاينة، ويكسبون منها أضعاف ما ينفقون عليها.

الإعلام ليس حرّاً كما نعتقد، ومن الغريب أن الإعلام يتكبل بالقيود والسلاسل في عصر يسمى بعصر الحرية، ويوصف بها، وهذا هو الوضع السائد في كل بلد، ديكتاتوري أو ديموقراطي، نامي أو راقي، آمن أو غير آمن، خصوصاً إذا ألقينا النظر على الإعلام فيما يسمى بالعالم الثالث حيث تمارس عليه ضغوط كثيرة، نجده يواجه ضغوطاً، ويعاني من قيود، إما من قبل رجال الحكم، وإما من قبل رجال الأعمال.

فنرى الإعلام في هذا العصر ينقسم إلى قسمين، قسم تمارس عليه ضغوط سياسية، وقسم تمارس عليه ضغوط مالية، ويشهد بذلك كل من يتابع إعلام اليوم وما يتناوله من الأحداث، وما يقدمه من التقارير، وما يحلله من الأحداث، وما ينشره من الأبناء.

نرى اليوم كثيراً من الإعلاميين يغتالون ويعتقلون، ويحرمون من الإعلانات الرسمية حتى من الشركات التي تشرف عليها الحكومة إذ لم يخضعوا لأوامر حكومية، وأصروا على نشر الحقائق، ونقل الأحداث كما هي، دون أن ينقصوا منها أو يضيفوا إليها، وهذه هي الطريقة التي تلجأ إليها السلطة للسيطرة على وسائل الإعلام وإخضاعها لأوامرها، وإكراهها على نشر ما تريدها.

وننسي أن من مقومات الإعلام الحق في المعرفة، والحق في الوصول إلى مصادر المعلومات، ونقلها بحرية كاملة؛ لكننا نلاحظ رغم ادعاء السلطة بحرية الإعلام أن الحكومات تقوم بقمع الإعلام بكل أشكاله وأنواعه، ولا تريد إلا ما يبث في مصلحتها، وعندما عرف رجال الحكم أن سلب الحرية وملاحقة الإعلاميين وزجّهم بالسجون، ومنعهم من الوصول إلى الحقائق، لايصلح في هذاا لعصر الذي يسمى بعصر العولمة الذي تحطمت فيه الحواجز كلها، وطويت المسافات التي كانت تستغرق وقتاً طويلاً للوصول من بلد إلى بلد، لجأوا إلى طريقة أخري للسيطرة على الإعلام، وهي شراء أسهمه ورفع أسعار ما يحتاج إليه من الماكينات والأجهزة والورق والحبر، وهذا ما تدفع المسئولين عن الإعلام إلى أخذ القروض من المصارف الحكومية، وأخذ الإعلانات الحكومية وإعطاء حصص من الأسهم حتى يصبح الإعلام يخدم السلطة والمسئولين عن الحكم، ويغمض عينها عن الحقائق والوقائع،وقد أشار إلى ذلك الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي -رحمه الله-وهو يبين وظيفة الإعلام ودورها، فيقول:

” لقد تفاقمت المحنة في هذا العصر، وظهرت أهمية الإعلام الحر مزيداً فبينما كان الإعلام في العصر الماضي مكبلاً محدودًا مؤممًا، فإن الإعلام اليوم حرّ، عالمي النطاق، بوسائله المستحدثة، لكنه خاضع للسيطرة الصهيونية والأمريكية، فازداد هذا الخطر للجيل الجديد، فتصاعدت بذلك حاجة الإعلام الإسلامي الهادف، والكلمة الطيبة النزيهة التي تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتوضح مواضع الخطر، ومكامن الشر، وقد جاء في المثل العربي “رائد القوم لا يكذب أهله” فالإعلام في الواقع هو رائد القوم،و وظيفته الإعلام والإنذار، ونصرة المظلوم، لكن الإعلام اليوم خاضع للأهداف المادية المحضة، وهو كما يقال عنه أصبح تجارة أو صناعة، ويسيطر عليه عادة رجال الأعمال، لذلك لا يؤدي واجبه من الإعلام، وفي مثل هذه الظروف تتضخم مسئولية الصحف التي تصدق في القول وتعبر عن الحقيقة ولا تخاف لومة لائم في  قول الحق، وهذا هو واجب الصحافة الإسلامية المعاصرة،وصحيفة “الرائد” تسير على هذا الخط والله ولي التوفيق”.(السنة:53، العدد:1، 28/رجب 1432هـ)

جعفر مسعود الحسني الندوي (رئيس التحرير)

×