بين الإخلاص والرياء

الخطأ الذي يقع فيه الكثيرون
12 يناير, 2023
ادعاء الغرب بحرية المرأة بين الحقيقة والدعاية
5 مارس, 2023

بين الإخلاص والرياء

جعفر مسعود الحسني الندوي

أحكي لك اليوم قصة تدل على ما في الإخلاص من قوة وتأثير، وما في الرياء من حرمان وشقاء، تدل على أن العمل مهما كان صالحًا إذا ابتغي به وجه أحد من خلق الله،لا يقبله الله عز وجل، ولا ينظر إليه، ولا يضعه في ميزان الحسنات، وأن المال مهما كان كثيرًا إذا أنفقه الرجل لكسب الشهرة ونيل إعجاب الآخر،لا يعود إليه بنفع في الآخرة، وهو من الخاسرين، لأن الله عز وجل كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” لا يقبل من العمل الصالح إلا ما كان خالصًا له”. فالإخلاص هو أصل الدين، وهذا ما فقدناه اليوم، نحن نعمل لنذكر ونمدح عليه، إلا من وفقه الله عز وجل ليعمل مخلصًا محتسبًا.

من منا لا يعرف الصحابي الجليل تميم الداري، جاءه رجل وسأله عن صلاته في الليل، فنظر إليه مغضبًا وقال: ” لأن أصلي ركعة في السر لا يعلمه أحد، أحب إليَّ من أن أقوم طول الليل، وأقصه على الناس”.

إن عليًّا ابن حسين المعروف بزين العابدين وإمام الساجدين، كان من عادته إذا أظلم الليل وهدأ الناس، ودخلوا بيوتهم، وخلا الطريق من المارة، يخرج بكيس من الخبز على ظهره، ويوزع على من يحتاجون إليه من الفقراء في السر وظلام الليل لا يراه أحد إلا الله وهو يقول: “صدقة السر تطفئ غضب الرب”.

وأما نحن فنتصدق وبودنا أن يكتب ما نتصدق به بالجرائد، وتنشر له الأخبار بالصحف والمجلات، وتكون حديث المجالس والنوادي، وننسى ما قيل: “الناس كلهم هلكى إلا العالمون والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون، والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر كبير”.

إننا نتصدق ولا نعرف من الصدقات أفضلها وأحسنها وأكثرها وزنًا عند الله، فيخشى أن نحرم من ذلك الظل الذي يظل المتصدقين يوم لا ظل إلا ظل عرش الرب، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:” ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ”.

إن أمير المؤمنين في الحديث سفيان الثوري يقول: “في مجلس أصابتني رقة فبكيت وقلت في نفسي لو كان أصحابي معي اليوم شاركوني ثم يقول: فلما جاء الليل ونمت رأيت في المنام رجلاً يقول لي مغضبًا يا سفيان! خذ أجرك ممن أحببت أن يراك.

أما القصة التي أريد أن أحكيها لك، فهي أن ملكًا من الملوك أمر ببناء مسجد، وأمر بأن لا يؤخذ مال من أحد، وكان يحب أن يذكر اسمه ويمدح على بناء هذا المسجد الشامخ، فأمر بنصب لوحة مكتوب عليها اسمه على الباب الرئيسي للمسجد حتى يعرف الجميع أن هذا المسجد تم بناؤه على نفقته، فنام ليلة ورأى في المنام كأن ملكًا ينزل من السماء ويمسح اسمه من على تلك اللوحة، ويكتب مكانه اسم امرأة، فلما استيقظ الملك في الصباح انزعج وأرسل من ينظر في تلك اللوحة، فلما وصل ذلك الرجل إلى المسجد وجد اسم الملك مكتوبًا على اللوحة، فأخبر الملك بذلك، فقال الملك: هذه أضغاث أحلام، فلما نام بعدها ليلة رأى الرؤي نفسه؛ ملكًا ينزل من السماء، ويمسح اسمه، ويكتب محله الاسم نفسه فلانة بنت فلان، فعجب الملك وأصبح وقال: أرسلوا من ينظروا، فنظروا وقالوا: اسمك موجود أيها الملك! رأى ذلك في ليلة ثالثة، فلما أصبح أمر بالبحث عن تلك المرأة التي يكتب اسمها على تلك اللوحة، فقلبوا البلد ظهرًا لبطن حتى وجدوها في كوخ، فهي امرأة فقيرة، فجيئ بها إلى الملك، فقال لها الملك: ما شأنك وشأن هذا المسجد، ألم أمنع أن لا يعطى درهم إلا مني، قالت المرأة الفقيرة: والله لا أجد درهمًا لأطعم أولادي، فكيف أستطيع أن أتبرع لهذا المسجد، فقال الملك: فلماذا يمسح اسمي ويكتب اسمك؟ ماذا قدمت لهذا المسجد؟ فقالت: ما فعلت شيئًا سوى أني مررت يومًا بالمسجد، والمسجد لا يزال في البناء، فجعلت أنظر إليه متعجبة، وكنت أتمنى لو كان عندي مال لبنيت مثل هذا المسجد،وأنفقت ذلك المال عليه، فبينما أنا ذلك إذ وقع بصري على فرس من التي تحمل اللبن على ظهرها لبناء المسجد، وهو مربوط في شدة الحر، والماء المخصص لشربه بعيد عنه، والحبل المربوط به يمنعه من أن يصل إلى الماء، فجئت ودفعت ذلك الإناء بيدي إلى الفرس، فشرب الفرس، هذا ما صنعته، ولم أدفع والله درهمًا ولا أستطيع ذلك، فقال الملك: أنت صنعت هذا لله، فتقبله الله منك، وأما أنا فبنيت هذا المسجد لأذكر وأمدح فلم يتقبله الله مني، ثم أمر فمحي اسمه وسجل اسم تلك المرأة على تلك اللوحة.

×