بين إنسان وإنسان

حاسب نفسك!
9 يناير, 2021
من تبادل التهم إلى الجد والصرامة والعمل
4 مارس, 2021

بين إنسان وإنسان

نرى للبشر نوعًا واحدًا، ونرى أنه لا يوجد أي تفاوت بين بني آدم، ونرى أن الإنسان كحبات البيض أو التفاح أو الرمان، التي يكون بين حباتها تفاوت بسيط،لا يزيد عن بضعة غرامات، رغم أن هناك نوعين من البشر،وبينهما تفاوت كبير،وبون شاسع، نجد للبشر نوعًا مكرمًا، ونوعًا مهينًا،ونوعًا شريفًا، ونوعًا لئيمًا،ونوعًا ذا همة عالية، ونوعًا ذا همة قصيرة، ونوعًا يؤمن بالله ويطيعه، ونوعًا يكفر بالله ويعصيه، ونوعًا متواضعاً،ونوعًا متكبرًا، ونوعًا يخشى، ونوعًا يطغى،ونوعًا يجري وراء نفسه، نوعًا يتسابق إلى مرضاة ربه، ونوعًا مقبلاً على الخير، ونوعًا يحب للشر، ونوعًا متسارعًا للخيرات، ونوعًا متبادراً إلى المنكرات، فمن أيِّهما نحن؟ وإلى أيِّهما ننتسب؟ وفي أيهما ندخل؟.

في عالم البشر رجال كالجبال بقلوبهم الخاشعة لله،وألسنتهم الذاكرة له، وأعمالهم الخالصة له،وهممهم العالية، وأهدافهم السامية، وعزائمهم القوية التي تحطم كل عائق، وتكسر كل مصد، وتفتح كل باب مسدود،لا يستطيع أي إنسان، أو أي حكومة أن تصرف أحدًا منهم عما يهدف إليه، أو يعزم إليه، أو ينوي به، وبالمقابل رجال يبدو كأنهم ذباب لضعف همتهم، ولسخف مطلبهم، وقذارة ما في نفوسهم، يجلسون على الجروح، ويمتصون ما يسيل منها من الدم والقيح، فكم من تفاوت بين هذين النوعين من البشر، تفاوت كبير لا يحتاج إلى شرح وبيان.

إن الإنسان سخر الله له كل ما يحتاح إليه في حياته،وأعطاه كل ما يفتقر إليه، من القوة والطاقة، والآلات والأدوات، فإذا استخدمها في معالي الأمور والوصول إلى الغايات النبيلة وتحقيق الأهداف السامية، وإرضاء خالق هذا الكون الأحد الصمد، وامتثال أوامره،وهداية البشرية إلى سواء السبيل، وربط صلة البشر بخالق الأرض والسماء، وقضاء الحياة وفقا للشريعة، يعدُّ من العظماء الذين سجِّلت أسماؤهم في التاريخ، ومن لم يستخدم هذه الطاقات ولم يعن بها؛ بل أهملها وضيعها في الأمور التافهة غير المجدية والمثمرة، فيتحمل من أجلها الحسرات إلى أن مات، ومن استخدم هذه الطاقة والقوة والعقل والذكاء والملكة والمهارة في الشر ونشره، والفساد وبثِّه، ومنع الناس عن الوصول إلى الخير والصلاح، يعد من المجرمين والطغاة والعصاة والبغاة، ويستحق العقاب والنكال من الله.

يخطئ من يرى الإنسان يعيش بأنفاسه،وعلى طعامه وشرابه،إنما يعيش الإنسان بهمته، ويسمو بهمته، ويأتي بالعجائب بهمته، وينال كل ما ينال، ويحقق كل ما يحقق بهمته، فالهمة هي التي تحيي الإنسان، وترفع شأنه، وتعلي منزلته، فإذا ضعفت همته فقد كل شيء، وتنازل عن كل شيء، ودعا الحتف إلى نفسه، فقد أعجبني ما قاله الدكتور راتب النابلسي، وهو يتحدث عن الطاقة التي أودعها الله في الإنسان فيقول:.

” تجد إنسانًا يترك آثارًا علمية مذهلة، ويعد من المجددين الذين يبعثون على رأس كل مئة سنة،اذا استغل هذه الطاقات التي أودعها الله فيه، وتجد شابا في الأربعينات، تزيد ثروته عن تسعين مليار دولار، هل حصَّل هذه الثروة جزافًا، لا، همته في تحصيل المال مذهلة، فهي التي أكسبته هذا المال، وإنسانا آخر وهو هتلر ترك خمسين مليون قتيل في الحرب العالمية الثانية لسوء استغلال هذه الطاقة”.

فالنوع البشري عجيب، فيه طاقات كبيرة؛ اما أن تسعد بهذه الطاقات فتكون أعلى من كل ملك، وإما أن تشقى بهذه الطاقات فتكون دون كل حيوان، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “ركب الملك بعقل بلا شهوة، وركب الحيوان بشهوة بلا عقل، وركب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته كان فوق الملك، وإن سمت شهوته على عقله كان دون الحيوان، يقول الله عزوجل لهولاء الذين سمت شهوتهم على عقولهم: أولئك كالأنعام بل هم أضل”.

جعفر مسعود الحسني الندوي (رئيس التحرير)

×