السوس الذي ينخر جسم المجتمع الإسلامي

فقدناه ونحن في أشد حاجة إليه
2 أبريل, 2019
موقفان متناقضان للغرب
8 مايو, 2019

السوس الذي ينخر جسم المجتمع الإسلامي

إن الحضارة الغربية التي ننبهر بها،ونشعر بالدونية اتجاهها، نأخذها دون أن ننظر إلى علاتها، نقلدها دون أن نشعر بأخطارها، وندعو إليها دون أن نفكر في أبعادها، هي حضارة مادية محضة، تدمر قيمنا وتقاليدنا وعاداتنا وأخلاقنا، وتسبب لنا الذلة والمهانة، وتسلط علينا الأعداء والتبعية لأنظمة الغرب، والسخرية بشعائر الدين، والاستخفاف بخصائصنا الإسلامية، ورمى الماضي المشرق بالتخلف، ونشر القوميات، وتوزيع الأمة، والثورة على الدين.

إن هذه الحضارة الغربية التي غزت بيوتنا،وفتنت شبابنا، وهيمنت على أسرنا ومجتمعاتنا، قد قضت على كل ما يتميز به المجتمع الإسلامي من التضامن والتعاطف، وعلى كل ما يوصف به من التقى والعفاف، وعلى كل ما يعد من خصائصه من الحياء والحشمة، وعلى كل ما يتوحد به من صلة الرحم، والإحسان إلى الجيران، والبر بالوالدين، وعلى كل ما يسعد به من المؤاساة والمساواة والعدالة والحرية والاعتدال والوسطية .

إن هذه الحضارة الغربية ضلت بين المادة والروح، والعقل والقلب، والدين والدولة، وأعلت من قيمة الأشياء وخفضت من قيمة الإنسان، فحوَّلت الإنسان من مستفيد منها إلى خادم ذليل، يدور حولها ويجري وراءها رغم أن الحضارة في الواقع ليست تقدماً مادياً مقطوع الصلة بالأخلاق والضوابط والحدود التي تحفظ الكيان الإنساني والكيان الاجتماعي.

يقال إن الحضارة الغربية تعطي الإنسان كل شيء، والحقيقة أنها تسلب منه كل شيء، حينما تعطي الحرية المطلقة بين الرجل والمرأة في العلاقات، وحينما يستطيع كل إنسان أن يفمل ما يريد، وأن يعيش في الترف والرخاء والتحلل ما يشاء، وأن يختار المجتمع كيف ما يشاء،وما يحب من الانتحار والاغتصاب، وانتهاك الحرمات، والإقدام على الجرائم، وانهيار الأسرة، وتفكك المجتمع والجري وراء المصلحة الفردية وتقديمها على المصلحة الاجتماعية دون المبالاة بالأضرار التي يتعرض لها شخص آخر.

بينما نرى الحضارة الإسلامية تعطي كل ذي حق حقه بدن أن يلحق بالآخر أي ضرر، وتهذب الروح، وتصقل الوجدان، وتعني بالمادة، وتدعو إلى الالتزام بالشريعة والاحتكام إليها، وتقيم المجتمع على أساس العقيدة و الإيمان وكرامة الإنسان ورعاية كل فرد يعيش في ذلك المجتمع.

إن الغرب حينما تبين له أنه لا يستطيع أن يحول المسلم من عقيدة التوحيد إلى عقيدة التثليث، لجأ إلى ما يسميه بالحضارة كأداة لتغريب المسلم، فهي كالسوس الذي ينخر جسم المجتمع الإسلامي وهو لا يشعر بذلك.

يقول المفكر الاسلامي الشهير الدكتور محمد عمارة وهو يصف ميزة الحضارة الاسلامية : “ان المسلمين لم يختلفوا في أصول الدين، وانما كان الخلاف بينهم دائما في منطقة الفروع ، إن الخلاف تنوع في إطار الوحدة، وهذا هو الذي يجعل الحضارة الاسلامية والفقه الاسلامي يواكب كل المستجدات دون أن يفقد صلته بالأصول ،إن الذين يتحدثون الآن عن الحداثة وإلغاء الماضي والبدء من الآن هولاء لا علاقة لهم بالدين .

يقول بعض الناس إن الإسلام ليس فيه الكهانة ، هذا صحيح، ولكن هناك فارق بين الكهانة وبين التخصص ، نحن لا نريد البابوية حتى يكون هناك رأي واحد ،  ولكننا لا نريد أن يتحدث في أمر الدين غير المتخصصين فيه ، في كل علم من العلوم الدنيوية  متخصص، وهل الدين أهون علينا وعلى الله من علوم الدنيا حتى لا يكون فيه متخصص”.

جعفر مسعود الحسني الندوي

×