ليتنا كنا خير أمة أخرجت للناس

يوم عاشوراء وفضله
25 سبتمبر, 2018
بين الأسلمة والعصرنة
27 أكتوبر, 2018

ليتنا كنا خير أمة أخرجت للناس

سوف لا يكون خافياً على أعضاء أمة الإسلام أن عددهم الإحصائي في العالم كله يفوق بليون ونصف بليون مسلم بين ما يقارب سبعة بلايين نسمة على المستوى العالمي، ولهذا العدد الهائل من أمة الإسلام دول وحكومات، ولهم صوت مسموع في الأمم المتحدة، ويقترعون في أهم القضايا السياسية والاجتماعية، وعندهم من الوسائل الحضارية والاقتصادية ما يغنيهم عن الآخرين.

هذا من الناحية المادية.

أما من الناحية المعنوية، فهم خير أمة أخرجت لقيادة العالم وهداية العالم البشري، وهي تملك ثروة من القوة الإيمانية والسيرة الطبيعية والرسالة السماوية بالإضافة إلى نظام إنساني دائم باق إلى بقاء العالم من غير تغيير أو نقص وزيادة، وقد صنعت هذه الأمة صناعات معجزة في مجالات العلم والمعرفة، والإبداعات البشرية، وفاقت في بناء التاريخ العالمي والتمييز بين الحق والباطل، مع الزهد الكامل في متاع الدنيا والابتعاد عن كل ما يمس كرامة الإنسان وفضله ويحط من مكانته العالية القيادية ويضاد شهادة الخالق رب السماوات والأرض الذي أعلن مدوياً مجلجلاً بكرامة الإنسان فقال: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً” [الإسراء:70].

فمن هو هذا الإنسان؟! هل هو نوع خاص يوجد في بقعة خاصة من العالم؟! أم أنه هو الإنسان الكائن في كل مكان الذي عاش مع الطبيعة الإنسانية، وبنى صرح حياته بالمواد التي وفرها الله سبحانه لتشييده، وقد صرح بها بغاية من الإيضاح والتفصيل الكامل فيما أوحى إلى خاتم النبيين وأنطقه بلسان الفطرة السليمة وفيما يمهد الطريق إلى تلقي كل ذلك، وتنفيذه في الحياة الفردية والجماعية وتطبيقه على جميع شئون الحياة والكون، وأكد ذلك فقال: “وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ” [الأنعام:153].

إلا أن هناك نوعاً آخر من هذا الإنسان الذي فضله الله سبحانه على جميع خلقه، وذلك هو الذي لم يوفق إلى التحلي بحلية الإيمان لله تعالى وشهادة التوحيد والرسالة الخاتمة، بل وعاش في حرية تامة، وكفران النعم، الواقع الذي أوقفه في صف الإنسان، فلم يك ممن نال السعادة في هذه الدنيا، إنما أتيحت له فرصة للعيش في الدنيا بما شاء وبالرزق السماوي من كل شيء، ولكنه لم يذق طعم الإيمان ولذة الحياة وهدف الإنسانية، ولم يميز نفسه عن الأنعام التي ليس لها عقل ولا هدف “أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ” [الأعراف:179] بل الواقع أنه أفسح الطريق للشيطان الذي ليس إلا عدواً يتنريأ بزي الصديق، ويحيد به عن طريق العز والسعادة والأمن والإيمان.

هذا النوع من الإنسان يسيطر على العالم البشري اليوم بوجه عام، ويدفعه إلى قلب حقائق الأشياء وتغيير أسمائها بما يتفق وطبائع الشباب الأحرار، فمثلاً يسمى الخيانة عدالة، وأمانة، ويسمى الفاحشة حضارة، والعربدة تطوراً، وهكذا يجره إلى ما يهدم الحياة باسم البناء، ويبعث فيه التشوق نحو الجرائم الخلقية والإنسانية ويدنيه إلى هوة سحيقة من الدمار، كما يشاهد اليوم من تجيب الجرائم الخلقية وأسباب الشقاء النفسي إلى المجتمع الإنساني وتحويله إلى غابة موحشة تعيش فيها السباع، وضواري البهائم، ويتم ذلك على المستويات الرفيعة ومن خلال القانون الذي يفسح المجال لكل شخص بممارسة الجرائم من كل نوع، بكامل الحرية.

وقد قام عدد من أصحاب العلم والثقافة من الغرب ممن جربوا هذه الأنواع كلها، فلم يدركوا في أي واحد منها ضالتهم، ثم درسوا رسالة خير الأمة فإذا بها علاج كل ما يحتاج إليه الإنسان في حياته من الأمن والعافية والدعة والطمأنينة القلبية والهدوء النفسي، ووجدوا فيها لذة العلاقات الأسرية وطعم الحب الخالص، ومتعة الاتصال برب السماوات والأرض، فها هي الأفواج البشرية التي تحن إلى دين الإسلام وشريعة السماء وتُرى تترقب نوبتها للدخول في دين الله تعالى أفواجاً، وتتمنى أن أن تكون عضواً كريماً يمثل خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله.

فما أجدرنا أن نمثل هذه الأمة التي اختارها الله سبحانه لبناء هذا العالم ونيل الحياة الدائمة في الآخرة، وقد علمنا الدعاء الجامع بين الحسنتين: “رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة:201]. صدق الله العظيم.

(سعيد الأعظمي الندوي)

×