كيف يكون المرء أكرم الخلق؟!

بين الإسلام الموروث والإنسان المخلوق
6 مارس, 2018
لا تفسدو ا في الأرض بعد إصلاحها
25 أبريل, 2018

كيف يكون المرء أكرم الخلق؟!

أعلن الله سبحانه وتعالى بغاية من الوضوح والبيان أن الإنسان مخلوق كريم خلقه الله سبحانه وتعالى من ذكر وأنثى بالتعاون بينهما، ولذلك فإنه سواء في إنسانيته وفي طبيعته، ومن خلال هذا التعاون والتواصل نشأت جماعات وطوائف من الناس، وتعارفت فيما بينها، ونشأت أجيال وشعوب متعاونة بعضها مع بعض، وتكوَّن بذلك عالم بشري تعارف أعضاؤه بما رزقهم الله تعالى من عقل وذكاء يفرق بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، فبذلك كان الناس كلهم على درجة واحدة متساوية من الإنسانية التي أكرمهم الله سبحانه بها وفضلهم على كثير ممن خلقهم تفضيلاً “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً” [الإسراء:70].

وبذلك كان للإنسان أسرة واحدة مفضلة بين جميع الخلق، وبذلك أدرك الإنسان ما له من درجة متميزة تشرح له الهدف الذي أراده الخالق سبحانه من تفضيله، وما له من مكانة عالية من تكريمه، ولكي يتعارف الناس فيما بينهم وزَّعهم في شعوب وقبائل بين العرب والعجم، لذلك فإن جميع الناس في الشرف النسبي سواء، ولكنهم يتفاضلون بالتقوى من الله والعمل بما أمروا به من عبادة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد روى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراء في المال منسأة في الأثر، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم، قال: أكرمهم عند الله أتقاهم، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فمن معادن العرب تسألوني؟ قالوا: نعم، قال: فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا، وعن درة بنت أبي لهب رضي الله عنها قالت: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال صلى الله عليه وسلم: خير الناس أقرؤهم وأتقاهم لله عز وجل، آمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم”.

لولا الإنسان الذي خلقه الله سبحانه ليختبره ويمتحنه في أمور الخير ويرى كيف يعيش في هذه الدنيا؟ وهل هو يطيع خالقه أم يعصيه،لولاه  لما كان لهذه الكائنات شأن ولم تكن هناك حاجة إلى خلق هذا الكون العظيم الواسع الهائل الذي يغني الإنسان في جميع حاجاته ويوفر كل ما يحتاج إليه للعيش في هذا العالم البشري، ولذلك كانت قيمة الإنسان وعظمته متصلة بمعرفة خالقه، وغاية خلقه لا تتحقق إلا بالطاعة والخضوع، وقد صرح الله سبحانه جميع طرائق الطاعة والمعصية لهذا الجنس الكريم العاقل، وبيَّن له ما ينفعه وما يضره، وما يرضى خالقه وما يسخطه.

فذلك هو الأساس الأصيل لحياة الإنسان، وتلك هي البنية التحتية لبناء صرح الإنسانية عالياً وتمثيل ذلك النموذج المثالي للخلق الذي فضله على جميع الخلائق حتى على الملائكة الذين هم عباد الرحمن لم يكلفهم الله سبحانه بما كلف به عبده الإنسان في هذا العالم من صبغ الحياة بكاملها بصبغة العبادة والطاعة بأنواعها وأداء الفرائض والواجبات التي لا تكتمل العبودية من غير القيام بها بغاية من الدقة والأمانة والخشية والتورع “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ” [الأنفال:29].

وتحقيقاً لهذا الغرض الكريم بعث رسوله العظيم محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل معه الكتاب لكي يكون نوراً مبيناً للإنسان العاقل المؤمن ودستوراً خالداً له على وجه الدهر يحتوي على جميع التوجيهات والأحكام التي تفتقر إليها جماعة المؤمنين في حياتهم الفردية والجماعية ففيها ما يستوي فيه الذكر الأنثى، وما يتفرد في بعض منها الرجل من المرأة، ولكن الأساس هو ما بينه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما قد مثله صلى الله عليه وسلم في القول والعمل والحكم والأمر “وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا” [الحشر:7].

ومن خلال هذا الأخذ والرد والانتهاء والامتناع، أخرجت خير أمة من بين الناس فتميزت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتمتعت بالفلاح الكامل، والتوفيق الشامل من ربها تبارك وتعالى “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ” [الحجرات:13].

(سعيد الأعظمي الندوي)

 

×