الإسلام دين الإنسانية والعدل

الصحابة الكرام لا يُحبهم إلا مؤمن ولا يُبغضهم إلا منافق أو جاهل
6 أكتوبر, 2022
الحاجة إلى الأطباء الناصحين
26 نوفمبر, 2022

الإسلام دين الإنسانية والعدل

محمد واضح رشيد الحسني الندوي

بفضل عقيدة التوحيد التي هي ميزة الإسلام، يقوم أساس الثقافة الإسلامية على حسن السلوك مع خلق الله، لأن الرب واحد، والخلق عياله، و قد جاء في حديث نبوي: “الخلق عيال الله، فأحب الخلق إلى الله من  أحسن إلى خلقه” وتتجلى هذه الميزة في سائر جوانب الحياة الإسلامية، تتجلى في العبادات، وتتجلى في المعاملات، والأخلاق، والتعامل مع الناس، بغض النظر عن الديانة والوطنية.

أعاد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الإنسانية كرامتها وشرفها، وردّ إليها اعتبارها وقيمتها، وأعلن: أن الإنسان أعز وجود في هذا الكون، وأغلى جوهر في هذا العالم، وليس هنا شيء أشرف، وأكرم، وأجدر  بالحب، وأحق بالحفاظ عليه من هذا الإنسان، إنه رفع مكانته حتى صار الإنسان خليفة الله ونائبه، خلق له العالم، وهو خُلِق لله وحده:) هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً( [ البقرة:29].و أنه أشرف خلق الله وفي مكان الرياسة والصدارة:) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً([ الإسراء:70].

وبالنسبة للتعامل مع الناس تقوم تعاليم الإسلام على العدل والمساواة، وكان ذلك أساس العقيدة الإسلامية، وقد أوضح القرآن الكريم مكانة اختلاف طبقات الناس، فقال: )ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( [الحجرات:13]. ويعنى ذلك أن انقسام الناس إلى شعوب وقبائل للتعارف وإقرار النظام، ولا يعني ذلك التمييز على أساس هذا الانقسام أو الانتساب إلى قبيلة أو شعب.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”كلكم من آدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى”.

 وقد نهى القرآن الكريم عن احتقار أحد، أو السخرية به، أو الحط من شأنه، فقال: )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ولاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ ولاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ( [الحجرات: 11] . فإن السخرية والاستخفاف يحدث الشعور بالكظاظة والضغينة، والكراهية والنفور في النفوس.

كذلك يقوم أساس الثقافة الإسلامية على احترام  الأديان، فإن الإسلام يدعو إلى احترام الأديان كلها، وعدم الإساءة إلى أربابها، فقال ) وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( [ الأنعام:108] وفي موضع آخر )آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ( [ البقرة: 285].

وكذلك من مزايا الإسلام أنه دين التيسير والاعتدال والوسطية، ولا مكان فيه للتشدد، وهو دين يسر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا،وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة وشي من الدلجة” (رواه البخاري: في الإيمان، باب الدين يسر).

وطبيعة هذا الدين اليسر، وهو دين الفطرة، وفيه رعاية لطبيعة الإنسان واقتضائه، وقد جمع بين متطلبات الدين، ومتطلبات الحياة.

 وفي التعامل مع غير المسلمين سجل الحكام المسلمون والقضاة العادلون في تاريخ الإسلام، أمثلة للعدل والمساواة بين مسلم وغير مسلم، وقصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع حاكم مصر عمرو بن العاص رضي الله عنه في قضية المسيحي تدل على هذا العدل، وقد اتبع هذه السياسة العادلة الحكام المسلمون في سائر عهود التاريخ الإسلامي، واعترف به بعض الكتاب العادلين من غير المسلمين أن الحكام المسلمين أنصفوا إلى الأقليات غير الإسلامية، وكان بعض الحكام لحرصهم على العدل عاملوا مع غير المسلمين على حساب الأغلبية الإسلامية،فازدهرت الأقليات في عهود الحكم الإسلامي، ومن آمن منهم آمن رغبة، وارتضاء ومعرفة بدون إكراه وإجبار، ولايزال هذا الموقف قائماً في الدول الإسلامية، حيث توجد العمالة من غير المسلمين والرعية من غير المسلمين، ولا تواجه أي مضايقة  أو قيود، بل تتمتع بحرية اتباع تقاليد دياناتها، فمن يؤمن منهم يؤمن بارتضاء، ومعرفة ودراسة، وتدل عليه التقارير الصحفية والاعترافات، ولا يوجد أي مثال للإكراه.

 بينما نجد في دول الأغلبيات من غير المسلمين ذلك الإكراه والإجبار، وقد لوحظ هذا التمييز وسوء المعاملة في عهد الحكم الاستعماري الغربي الطويل، ولا يزال هذا الإكراه وموقف العداء يعم ويسود الدول الأوربية الغربية، حيث تجري حملة شعواء ضد المسلمين والإسلام، وتفرض عقوبات على العمل الإسلامي، وإن هذا الفارق بين موقف الحكام المسلمين إزاء الحركات غير الإسلامية في بلدانهم، وموقف الحكام من غير المسلمين إزاء الحركة الإسلامية أو الدعوة الإسلامية ملحوظ في هذا العصر، يتضح ذلك من تقارير الجمعيات التبشيرية المنتشرة في العالم الإسلامي، وإعلانات الفاتيكان، وبيانات الزعماء والقادة في البلدان الأوربية، ويلاحظ ذلك الفارق من القيود المفروضة على العمل الإسلامي، وفرض الحظر على الحركات الإسلامية، وإطلاق الحرية من جهة أخرى على نشاطات الحركات المعادية للإسلام والمسلمين.

إن هذا التمييز والتفريق في السلوك والتعامل والسياسة أصبح ظاهرة عالمية لا تستثني منها الدول التي تدعي الديمقراطية والعلمانية والحرية الأساسية في دساتيرها، فإن المسلمين يواجهون سوء السلوك والمعاملة حتى في المحاكم التي تدعى بالعدل في القضاء، فضلاً عن دور الحكومة، ومداولات البرلمان، وبيانات القادة، كأن هناك ميزانين ميزان للإسلام والمسلمين، وميزان لغير الإسلام والمسلمين.

 ولهذا التمييز أمثلة كثيرة في السياسة الدولية والوطنية، ولا تستثنى من هذا التمييز الأمم المتحدة، ومنظمات الإغاثة الدولية، وخاصة الصليب الأحمر، والمنظمات الثقافية والعلمية كمنظمة اليونسكو، وقد تعدى هذا التمييز إلى دور التعليم والتربية التي كانت في الماضي بعيدة عن هذا التمييز.

ولنأخذ مثلاً قضية الحجاب فضلاً عن العمل الإسلامي، فالحجاب يواجه حملة عنيفة، لأنه يتعارض كما يزعم قادة الدول الأوربية مع الحضارة الغربية، ولكن  العري و السفور وعدم التقيد بالقيم الخلقية  التي تتنافي مع الحضارة الإسلامية شائع لا يفرض الحظر عليه  في حكومات المسلمين حتى الحكومات التي تدعى أنها إسلامية، بل تطالب الدول الأوربية الدول الإسلامية المتحفظة بإطلاق حرية المرأة، والسماح بالاختلاط وتشجيع العناصر التي تطالب بالحرية المطلقة.

إن هذا الدين الذي يدعو إلى احترام كرامة الإنسان، ويدعو إلى احترام الأديان، وإكرام المخاطب، والسلوك مع سائر الناس بالعدل، ولا يسمح لأتباعه بالاعتداء حتى في حالة الاعتداء، لا يسمح لهم بالاعتداء، ويدعو إلى الصلح، والإيثار، لا الظلم والأثرة، إن هذا الذين يواجه حرباً شعواء، وحملة عالمية للكراهية، بل للعدوان، ومحاولات مركزة للإساءة إلى مقدساته، والاعتداء على أماكن العبادة والكتاب المقدس، و النيل من الشخصيات المقدسة  والتزوير والتحقير، وافتعال حركات  تحدث الاستفزاز، ورد الفعل، ومخططات لتفريق شمل المسلمين وتشتيتهم، ويكب الإعلام العالمي بسائر وسائله على تأليب الأمم الأخرى عليه، واعتباره خطراً على العالم، وقد ثبت بالتقارير الصحفية أن ما يحدث من أحداث العنف يرجع إلى تدبير الأعداء، وهي مغروسة في أرض المسلمين، وألغامها مفروشة من قبل الأعداء، أو هي أعمال شرذمة من المضللين، أو المرتزقة، وقد تحقق في كثير من التحقيقات أن كثيراً من أحداث العنف كان مرجعها أعداء الإسلام، وكان من هذا القبيل التفجيرات التي وقعت في أمريكا، وإجراءات العنف في أماكن أخرى كالهند، وقد أزيح القناع عن عدد من الشخصيات والحركات التي دبرت هذه الإجراءات لاتهام المسلمين بالعنف. وقد عرض عدد منهم في المحاكم، وثبتت جرائمهم.

لقد واجه المسلمون مثل هذه الإجراءات ومروا بمراحل الفتنة والمحنة في السابق وتكبدوا بسبها خسائر جسيمة، وصبروا عليها، فخرجوا منتصرين، وسينتصر المسلمون بهذه الحكمة والتدبر وإحقاق حقهم، وعدل دينهم، وتأثيره على النفوس، وصلاحيته للعمل في الحياة، وإن الإجراءات التي تجري اليوم في العالم كله، لن تنجح في وقف تقدمهم وانتشارهم .) وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(.   [ الحج:40]

وبفضل عقيدة التوحيد والوحدة والاعتدال والوسطية سينتصر المسلمون ولا يضرهم أحد إذا أراد الله أن ينفعهم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال:” يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم: أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء، قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك؛ رفعت الأقلام وجفت الصحف”.(رواه الترمذي)

×