الفضيلة

الحلم كركن من أركان الحكمة
7 أبريل, 2022
منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (4)
7 أبريل, 2022

الفضيلة

الدكتور محمود حمدي زقزوق، مصر

معنى الفضيلة:

الفضيلة من حيث مدلولها اللفظي تعني الفضل والزيادة، أما في الاصطلاح فمعناها الاستعداد الدائم لفعل الخير، ويعرفها ابن رشد بقوله: “الفضيلة ملكة مقدرة لكل فعل هو خير من جهة ذلك التقدير، أو يظن به أنه خير”.

أما معجم لالاند فيعرف الفضيلة بأنها: “الاستعداد الراسخ لإنجاز نوع معين من الأفعال الأخلاقية، أو “الاستعداد الراسخ لإرادة الخير، عادة فعل الخير”(1).

ويعرفها البعض بأنها الخلق الطيب، فإذا اعتادت الإرادة شيئًا طيبًا سميت عادتها حينئذ فضيلة، وعلى هذا فإذا وصفنا إنسانًا بأنه فاضل فمعنى ذلك أنه ذوق خلق طيب اعتادت إرادته العمل حسب ما توصي به الأخلاق(2).

وقد احتل بحث الفضيلة مكانًا بارزًا في الفلسفة منذ سقراط حتى الآن.

وفيما يلي كلمة موجزة حول الموضوع: الفضيلة لدى سقراط وأفلاطون:

لقد دارت مناقشات طويلة حول الفضائل في محاورات أفلاطون، ففي محاورة “مينون” بحث عن الفضيلة بوجه عام، وفي محاورة “جورجياس” بحث عن فضيلة العدالة، وفي محاورة “أوطيفرون” بحث عن فضيلة التقوى، وفي محاورة “لوسيس” بحث عن فضيلة الصداقة، وفي محاورة “خرميدس” بحث عن فضيلة الحكمة، وهكذا في باقي المحاورات، مما يبين مدى الاهتمام البالغ بهذا الموضوع، الذي كان حينذاك يعد موضوع الساعة، بفضل سقراط وجهوده في محاربة السوفسطائية التي كانت كانت سببًا في البلبلة الفكرية والأخلاقية في ذلك العصر.

ولكن الملاحظ على هذه المحاورات الأفلاطونية أنها كانت تثير من الأسئلة والمشكلات أكثر مما كانت تجيب على الأسئلة والاستفسارات، وقد كان هذا هو موقف سقراط في هذه المحاولات التي كان يلعب فيها الدور الرئيس، ولم يكن موقف أفلاطون يبعد كثيرًا عن موقف أستاذه سقراط(3) ولكن هذا لا يمنع من استخلاص آراء كل منهما حول هذا الموضوع.

فمن المعروف – كما سبق أن أشرنا إلى ذلك أيضًا – أن سقراط كان يسوي بين العلم والفضيلة، فالعلم هو الفضيلة والجهل هو الرذيلة، ويترتب على ذلك أن الإنسان لا يستطيع أن يعمل الخير ما لم يعلم الخير، وكل عمل يصدر من المرء دون علم بالخير فإنه لا يعد خيرًا، ولا فضيلة، وكان سقراط يرى أن الإنسان إذا علم علمًا تامًا بأن شيئًا ما خير فإن ذلك يحمله حتمًا على عمل ذلك الشيء، كما أن معرفته بضرر شيء يحمله أيضًا بالضرورة على تركه، أما ما يصدر عن الإنسان من خطأ فإنما مرجعه إلى الجهل بالعمل.

قد ترتب على النظرية السقراطية في الأخلاق جعل الفضيلة واحدة وهي المعرفة أن العلم، أما ما عداها من فضائل أخرى مثل الشجاعة والعفة والعدل فليست إلا مظهرًا من مظاهرها.

وقد سبق أن تعرفنا على شيء من النقد الذي وجه إلى رأي سقراط في التوحيد بين الفضيلة والعلم، فلا داعي لتكرير القول في ذلك.

وقد حذا أفلاطون في كتابته الأولى حذو سقراط، في جعل الفضيلة واحدة وهي العلم، أو المعرفة، ولكنه عدل فيما بعد عن ذلك وجعل لكل من قوى النفس الإنسانية فضيلة خاصة(4)، فالحكمة فضيلة العقل تكمله بالحق، والعفة فضيلة القوة الشهوية تعمل على تلطيف الأهواء، فتترك النفس هادئة والعقل حرًا، أما الشجاعة فإنها فضيلة القوة الغضبية تساعد العقل على القوة والشهوية، فتقاوم إغراء اللذة والخوف من الألم، والحكمة أولى هذه الفضائل ومبدؤها، وفي هذا الصدر يقول أفلاطون:

“ليست الفضيلة هذه الحسية النفعية التي تستبدل لذات بلذات، وأحزانًا بأحزان، ومخاوف بمخاوف، كما تستبدل قطعة من النقد بأخرى، فإن النقد الجيد الوحيد الذي يجب أن يستبدل بسائر الأشياء هو الحكمة، بها نشتري كل شيء ونحصل على كل الفضائل، أما الفضيلة الخالية من الحكمة، والناشئة عن التوفيق بين الشهوات فهي فضيلة عبدة”.

وإذا حصلت هذه الفضائل الثلاث للنفس: العفة والشجاعة والحكمة تحقق في النفس النظام والتناسب، ويسمي أفلاطون حالة التناسب هذه بالعدالة(5).

الفضيلة لدى أرسطو:

أما أرسطو فإن الفضيلة عنده بوجه عام تطلق على جميع الأفعال الحائزة للكمال، فالفعل الإنساني أيًا كان، عندما يتم على نحو كامل هو فعل فاضل، وكمال أي فعل، أو قدرة الإنسان على القيام به على خير وجه، هو الفضيلة بعينها(6).

وبجانب هذا المعنى العام للفضيلة نجد لدى أرسطو معنى آخر للفضيلة أكثر تحديدًا، إذ يرى أن الفضيلة “حالة اعتيادية”، تكتسب بفضل تكرار نفس الأفعال، وتخضع هذه الحالة الاعتيادية للعقل والروية، وبالتالي لضبط النفس الشهوية، ومن أجل ذلك فإن الرجل الفاضل لا تصدر عنه إلا أفعال فاضلة، والأفعال الفاضلة لا ينطبق عليها وصف الفضيلة إلا إذا كان فعلها لذاتها، ولما فيها من جمال أخلاقي.

وتقوم الفضيلة لدى أرسطو على العلم والإرادة، فعلى الإرادة يتوقف الاختيار وتحديد الغرض، أما العلم فهو الذي يحدد الوسائل المؤدية إلى تحقيق هذا الغرض، وفي هذا رد ضمني على سقراط الذي كان يوحد بين العلم والفضيلة.

وهذه الحالة الاعتيادية عند أرسطو هي وسط بين رذيلتين، وفي ذلك يقول: “الفضيلة استعداد مكتسب وراسخ للفعل الإرادي التأملي، وفقًا لوسط عادل يتحدد بالنسبة إلينا، وكما يحدده العقل”.

ويوضح أرسطو ما يقصده بالوسط العادل فيقول:

“الوسط العادل هو أن يفعل المرء ما يجب عليه، وفي الوقت الذي يجب عليه فيه أن يفعل، وفي الأحوال التي يجب فيها تجاه الأشخاص الذين نحوهم يجب ذلك، ومن أجل الغاية التي من أجلها يجب ذلك، وكما يجب ذلك”(7).

وعلى ضوء ما تقدم يمكن القول بأن الفضيلة تنشأ في ثلاثة مراحل:

  1. مرحلة تكرار نفس الأفعال، فالمرء لن يصير شجاعًا بفطرته وحدها، بل لابد بالإضافة إلى ذلك من التعود على الصعب من الأمور والاستعداد للمفاجآت.
  2. مرحلة توجيه الأفعال والانفعالات نحو الوسط، وهو وسط اعتباري لا هندسي.
  3. مرحلة اتخاذ القاعدة التي تعين الوسط لمختلف الناس في كل الأحوال، والمرجع في ذلك إلى العقل وحده، وفي الأحوال المعقدة يجب الرجوع إلى خبرة الرجل الحكيم لتعيين الأوساط العادلة في الأمور العملية(8).

وقد تعرضت نظرية الأوساط الأرسطية للنقد على أساس أنه ليس هناك مقياس دقيق يبين لنا المنتصف بيانًا تامًا، كما أن الفضيلة ليست دائمًا في نقطة المنتصف على بعدين متساويين، ويضاف إلى ذلك أن هناك كثيرًا من الفضائل لا يمكن أن تطبق عليها نظرية الأوساط.

ولكن كثيرين من نقاد نظرية الأوساط صدروا في بعض وجوه نقدمه عن توهم أن التوسط شبيه بالتوسط في الحساب والهندسة، بحيث تكون نسبته إلى كل من الطرفين واحدة، أو توهموا أن الفضيلة عند أرسطو شيء بين بين، وموقف هين لين، في حين أن أرسطو يرى أن الفضيلة في كل حالة حد أقصى ليس بعده للفاعل حد، والدليل على أن الوسط الفاضل ليس وسطًا حسابيًا وإنما هو وسط اعتباري – بصرف النظر عن الشخص وظروفه – هو أنه أميل لأحد الطرفين منه للآخر، مثل الكرم فهو أقرب للتبذير منه للبخل، والشجاعة أقرب للتهور منها للجبن(9).

الهوامش:

(1) المعجم الفلسفي لمجمع اللغة العربية: 136، والأخلاق النظرية: 143.

(2) الأخلاق لأحمد أمين: 191.

(3) مراحل الفكر الأخلاقي، ص: 15 وما بعدها، والأخلاق النظرية، ص: 158.

(4) قصة الفلسفة اليونانية للدكتورين: أحمد أمين، وزكي نجيب محمود، ص: 87 وما بعدها، انظر أيضًا ص: 123.

(5) تاريخ الفلسفة اليونانية: 95.

(6) مراحل الفكر الأخلاقي: 20.

(7) الأخلاق النظرية: 143، 148.

(8) مراحل الفكر الأخلاقي: 21.

(9) تاريخ الفلسفة اليونانية: 190، 191، والأخلاق لأحمد أمين: 197.

×