الدكتور / أبو سحبان روح القدس الندوي
في الأبطال يومئذ طليحة الأسدي(1)، وعمرو بن معدي كرب الزبيدي(2)، وقيس بن مكشوح(3)، وحجر بن عدي(4)، ولم يعلموا بما صنعه القعقاع في ظلمة الليل، ولم يشعروا بذلك، لولا مناديه ينادي: أين أيها المسلمون، هذا أميركم على باب خندقهم، فلما سمع ذلك المجوس فروا وحمل المسلمون نحو القعقاع بن عمرو فإذا هو على باب الخندق قد ملكه عليهم، وهربت الفرس كل مهرب، وأخذهم المسلمون من كل وجه، وقعدوا لهم كل مرصد، فقتل منهم في ذلك الموقف مائة ألف حتى جلّلوا(5) وجه الأرض بالقتلى، فلذلك سميت جلولاء، وغنموا من الأموال والسلاح والذهب والفضة قريبًا مما غنموا من المدائن قبلها.
وبعث هاشم بن عتبة القعقاع بن عمرو في إثر من انهزم منهم وراء كسرى، فساق خلفهم حتى أدرك مهران منهزمًا، قتله القعقاع بن عمرو، وأفلتهم الفيرزان(6) فاستمر منهزمًا، وأسر سبايا كثيرة بعث بها إلى هاشم بن عتبة، وغنموا دواب كثيرة جدًا، ثم بعث هاشم بالغنائم والأموال إلى عمه سعد بن أبي وقاص فنفل سعد ذوي النجدة ثم أمر بقسم ذلك على الغانمين.
قال الشعبي(7): كان المال المتحصل من وقعة جلولاء ثلاثين ألف ألف.
وروى سيف بن عمر(8) عن شيوخه أنهم قالوا: وكان فتح جلولاء في ذي القعدة من سنة ست عشرة، وكان بينه وبين فتح المدائن تسعة أشهر.
الهوامش والتعليقات:
أما طُليحة بن خُوليد فهو من أسد بن خُزيمة كما ساق نسبه ابن كثير في “البداية والنهاية” (7: 118) وقال: “وكان ممن شهد الخندق من ناحية المشركين، ثم أسلم سنة تسع، ووفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ثم ارتد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم في أيام الصديق وادّعى النبوة، ثم رجع إلى الإسلام واعتمر، ثم عاد إلى الشام مجاهداً فشهد اليرموك وبعض حروب القادسية ونهاوند الفرس، وكان من الشجعان المذكورين والأبطال المشهورين، وقد حسن إسلامُه بعد هذا كله”.
وذكر ابن كثير ناقلاً عن ابن سعد أنه معدود في الطبقة الرابعة من الصحابة وقال: وكان يُعدُّ بألف فارس لشدته وشجاعته وبصره بالحرب.
وأرّخ ابن كثير وفاته فيمن توفي سنة إحدى وعشرين، ونقل عن ابن عساكر الدمشقي أنه “استشهد بنهاوند سنة 21 مع النعمان بن مقرن وعمرو بن معديكرب”.
وهو “أحد الفرسان المشاهير الأبطال والشجعان المذاكير، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع، وقد ارتد مع الأسود العنسي، ثم أُسر واستتابه أبو بكر الصديق، فتاب وحسن إسلامُه بعد ذلك، وشهد اليرموك وأبلى بلاءً حسنًا يوم القادسية، وقيل: إنه قتل بها، وقيل: بنهاوند، وقيل: بات عطشًا في بعض القرى، وذلك كله في سنة إحدى وعشرين”. كذا في “البداية والنهاية” (7: 119) مع تلخيص يسير.
وذكر ابن حجر أن ابن دُريد فرّق بين قيس بن المكشوح الذي قتل الأسود العنسي وبين قيس بن مكشوح البجلي الذي شهد صفين، وقال: “هذا هو االصواب”. لأن بعض المترجمين لهما وقع في المزلقة.
وأما البخاري وابن أبي حاتم عن أبيه وخليفة بن خياط وابن حبان فذكروه في التابعين، وأرّخ خليفة وأبو عبيد وغير واحد قتله سنة إحدى وخمسين، وكانت أسرته تعد من أشراف الكوفة.
وضبط ابن حجر ا سمه “بضم أوله وسكون الجيم” وساق نسبه.
وبسط ابن كثير أخباره في “البداية والنهاية” (8: 49-55) ومن ثَمَّ لخصتُ ترجمته.
وأضاف السمعاني قائلاً: “والمشهور بها أبو عمرو عامر بن شراحيل الشعبي، من أهل الكوفة، كان من كبار التابعين وجلّتهم، وكان فقيهًا شاعرًا، روى عن خمسين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، على دُعابة فيه، وكانت أمه من سبي جلولاء، مات الشعبي سنة تسع ومائة.
قلت: توجد في كتب المؤرخين المتقدمين نقول كثيرة من “كتاب الردة” وغيره من مؤلفات سيف بن عمر هذا.