هِجانُ الحيِّ كالذَّهب المصفىَّ

أضاعُوني وأيَّ فتىً أضاعُوا
29 سبتمبر, 2021
الشعر ديوان العرب
23 ديسمبر, 2021

هِجانُ الحيِّ كالذَّهب المصفىَّ

الدكتور/ أبو سحبان روح القدس الندوي

شطر بيت قاله ربيعة بن مقروم الضبِّي.

أما الضبِّي فضبطه أبو سعد السمعاني(1): “بفتح الضاد المعجمة والباء المكسورة المشدَّدة المنقوطة بواحدة”، وقال:

“هذه النسبة إلى ضبّة وهم جماعة في مضر، وفي قريش، وفي هذيل، وجماعة ينسبون إلى كل واحد من هؤلاء”.

وساق نسبه أبو الفَرَج الأصفهاني(2) إلى مضر بن نزار، وقال توّاً بعد ذلك: “شاعر إسلامي مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، ثم عاش في الإسلام زماناً”.

وزاد ابن قتيبة الدِّينَوَرِي(3) “وشهد القادسية وجلولاء، وهو من شعراء مضر المعدودين، وكانت عبد القيس أسرته، ثم منَّت عليه بعد دهر”.

أورد أبو تمام أشعاره في ثلاث مواضع من ديوانه(4).

أما الشطر المذكور أعلاه فهو من باب الأدب وتمامه:

“صبيحة ديمةٍ يجنيه جان”.

وأوَّلُه:

وكم من حاملٍ لي ضبَّ ضغنٍ

بعيدٍ قلبُه حلوِ اللسان

قال المرزوقي الشارح(5): “الضب: الضغن.

وأضافه إلى الضغن لأن الضغن العَسَر، فكأنه حقد عسر ولَجاج فيقول:

“كثيرٌ من الرجال يحملون لي الضغائن، ويُسِرُّون لي البغضاء، وقد حلا منطقُهم لي جرياً على سنَّتهم في المداجاة، وبَعُدَ قلبُهم مني استمراراً في طريق الشنآن لي المعاداة.

والهِجان: الكريمة وقال المرزوقي(6): “ويقع لفظ هجان للواحد والجمع، يُقال ناقةٌ هجانٌ ونوقٌ هجانٌ ومثله درعٌ دلاصٌ ودروعٌ دلاصٌ، وذلك لأن فعالاً وفعيلاً يتشاركان كثيراً، كما جُمع فعيلٌ فِعالاً، كذلك جُمع فعالٌ فعالاً، ألا ترى أن العدد والوزن فيهما واحدٌ وحرف المدِّ من كل واحد بإزاء ما في الآخر؟

فإذا كان كذلك حُمل عليه، إلا أن فِعالاً، إذا كان جمعاً يُنوى بحركاته وألفه أنها حركات بنائه، وهو جمعٌ لا واحد له، كأن الكسرة في أوله الكسرةُ التي في أول ظرافٍ وكرامٍ، لا الكسرة التي في أول حمار وإزار، وكذلك ألفه فاعلمه”.

وأضاف المرزوقي قائلاً(7): قوله “هِجانُ الحيِّ” ارتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، كأنه قال: هم هجانُ الحيِّ، وهجانٌ جمعٌ وواحده هجانٌ أيضاً، لأن فعيلاً وفعالاً يشتركان في الجمع كثيراً، فهجانٌ جاء من هجانٍ واحداً كظرافٍ من ظريفٍ.

وقوله “كالذهب” في موضع الحال، وكذلك قوله “يجنيه جان” حال من “الذهب المصفّى”، وقوله “يجنيه جان” وضعه موضع يلقطه”.

ثم أفاد المرزوقي قائلاً(8): “…هذا الذي وضعه يقال إنها تكثر في نواحي اليمن واليمامة، وتُسمَّى تلك المعادن معادن اللقط، فإذا مُطِرت وانكشفت الهبوات والغبار عن وجوه حجارتها يظهر من عروق الذهب في صفائحها مثل ما وصفه أو أحسن”.

ومن ثَمَّ نقل الأصفهاني ما قاله أبو عمرو الشيباني(9):

“الذهب في معدنه إذا جاءه المطرُ ليلاً لاح من غدٍ عند طلوع الشمس فيُتتبَّع ويؤخذ”.

وفي “المعجم الوسيط” في مادة (هـ ج ن) ما ملخصه:

الهجان من الأشياء: أجودُها وأكرمُها أصلاً.

ومن الإبل: البيض الكرام.

رجلٌ هجانٌ: كريم الحسب نقيُّه.

امرأة هجانٌ: عقيلة قومها.

وأرضٌ هجانٌ: كريمة التربة.

وفي “مختار الصحاح”: “رجلٌ هجينٌ: بيّن الهُجنة والهجنة في الناس والخيل إنما تكون من قِبَل الأم، فإذا كان الأب عتيقاً أي كريماً والأم ليست كذلك، كان الولد هجيناً، والإقرافُ من قِبَل الأب” 1هـ.

أما “صبيحة” و”ديمة” فجاء ذكرهما في الحديث الشريف.

جاء ذكر أولاهما في حديث الرُّبيِّع بنت معوذ بن عفراء الأنصارية رضي الله تعالى عنها عند ابن ماجه في “باب ا لغناء والدف” من سننه (برقم: 1897) قالت:

“دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عُرسي وعندنا جاريتان تغنِّيان وتندُبان آبائي الذين قُتِلوا يوم بدر….” إلخ.

قلت: الصَّباح ضد المساء وكذا الصبيحة.

أما الثانية وهي “ديمة” فجاء ذكرها في حديث علقمة عند البخاري في موضعين من صحيحه أحدهما: في كتاب الصيام (برقم: 1987) والآخر: في كتاب الرقاق (6466) قال علقمة: “سألتُ أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها كيف كان عمل النبي صلى الله عليه وسلم هل كان يخصُّ شيئاً من الأيام؟

قالت: لا، كان عملُه ديمةً”.

ضبطها الحافظ ابن حجر(10) “بكسر الدال المهملة وسكون التحتانية” وقال: “أي دائماً، والديمة في الأصل: المطر المستمر مع سكون بلا رعد ولا برق، ثم استعمل في غيره، وأصلها الواو، فانقلبت بالكسرة قبلها ياء”.

وقال الحافظ في موضع آخر(11) ناقلاً ما قاله أهلُ اللغة.

“الديمة: مطرٌ يدوم أياماً، ثم أُطلقت على كل شيء يستمر”.

ونحوه قال ابن قُرقُول(12): “الديمة: المطر الدائم في سكون”.

الهوامش:

(1) الأنساب: ت المعلِّمي، ط دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن 1962م (8: 380).

(2) الأغاني: 22: 102 ط دار الفكر، بيروت 1986م.

(3) الشعر والشعراء ص: 147 ت د. مفيد قميحة ط بيروت 1981م.

(4) الموضعان الأول والثاني في باب الحماسة (1: 12 و210) والثالث في باب الأدب (2: 12) مع شرح التبريزي ط مطبعة دار السعادة بمصر 1927م.

(5) شرح ديوان الحماسة القسم الثالث ص: 1135 ت أحمد أمين وعبد السلام هارون ط دار الجيل، بيروت 1991م.

(6) المصدر نفسه 1: 94.

(7) المصدر نفسه 3: 1136.

(8) المصدر نفسه.

(9) الأغاني 22: 103.

(10) فتح الباري 11: 299.

(11) من فتح الباري 4: 236.

(12) مطالع الأنوار 3: 54 ط دار الفلاح بقطر 2012م.

أما ما جاء في مقالي هذا من الغريب فذكرتُ معناه فيما يأتي تيسيراً لطلبة العلم، تعميماً للفائدة:

المداجاة: المساترة بالعداوة.

درعٌ دِلاصٌ: ليّنة جمعها دِلاص أيضاً.

الهبوات: الغبرات.

الصَّفائح: جمع الصفيحة: كلُّ عريض من حجارة أو لوح ونحوهما، ووجهُ كلِّ شيء عريض، كوجه السيف أو اللوح أو الحجر، وصفائح الباب: ألواحه.

ظِراف ككرام جمع ظريف: الكيِّس الحاذق.

وورد في المقال “الإقرافُ من قِبَل الأب”.

فالمقرفُ الذي داني الهُجنة من الغرس وغيره، وهو الذي أمُّه عربيةٌ وأبوه ليس بعرَبيٍّ، فالإقرافُ من قِبَل الأب والهُجنة من قِبَل الأم كذا في “مختار الصحاح”. (ق ر ف)

أما “جلولاء”: فضبطها أبو عبيد البكري في “معجم ما ا ستعجم” (2: 390) “بفتح أوله” وقال: “بالشام، معروف” ثم أفادنا قائلاً: “عقد سعد بن أبي وقّاص لها شم المِرقال وابن عتبة بن أبي وقاص لواء، ووجّهه ففتح جَلُولاءَ يومَ اليرموك، وفي ذلك اليوم فقئت عينُه، وكانت جلولاء تُسمَّى فتح الفتوح، بلغت غنائمها ثمانية عشر ألف ألف، وكانت سنة سبع عشرة، وقيل: سنة تسع عشرة، وقد قيل: إن سعداً شهدها”.

أما ابن كثير فذكر في “البداية والنهاية” (7: 69) “وقعة جلولاء” في حوادث سنة ست عشرة بالجزم، واختار ابن جرير “سنة سبع عشرة”.. ولنا عود إلى اختيار “وقعة جلولاء” من “البداية والنهاية” مفسّرة كلمات صعبة ومبيّنة أسماء الأعلام والمعالم الواردة فيه إن شاء الله، والله الموفق.

×