كارثة تركيا وموقف العداء والشماتة

الدعامة الأولى لبناء الحياة الصالحة المطلوبة
12 يناير, 2023
رمضان شهر الرحمة ومدرسة الأخلاق
2 أبريل, 2023

كارثة تركيا وموقف العداء والشماتة

محمد وثيق الندوي

تعرضت تركيا وسوريا لزلزال عنيف بقوة 7.8 درجة على مقياس ريختر، في انفجار يعادل 7.5 مليون طن من مادة “تي إن تي”، وذلك في فجر  6 فبراير الجاري 2023م، كما وقعت مئات الهزات الارتدادية العنيفة، مما سبَّب خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات في البلدين، ودمَّر مساحة واسعة، ومباني ناطحة للسماء في دقائق، فأفادت التقارير الصحفية بأن أكثر من 41 ألفًا قد دفنوا تحت الأنقاض بسبب  الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمال سوريا، تجاوز عدد القتلى في تركيا 35 ألفًا و418 شخصًا، في حين وصل عدد القتلى في سوريا إلى 5801، والمصابين إلى 7396 إلى كتابة هذه السطور(15/2/2023م) وإن عمليات البحث والإنقاذ لا تزال مستمرة في المناطق المدمرة، وقد تمَّ إخراج عشرات آلاف جثة من المدفونين تحت الأنقاض للبيوت والمباني المتهدمة، وتفيد التقارير الصحفية بأن عدد المنكوبين أكبر من العدد الذي تقدره الجهات الرسمية وغير الرسمية، فقد تحولت المباني ذات الطوابق إلى أكوام من الركام،ودمرت أحياء بأسرها تدميرًا،ومزقت الطرق السريعة، وخطوط السكك الحديدية التي تصل المدن بعضها ببعض تمزيقًا،أو اختنقت تمامًا بسبب اكتظاظها بالشاحنات والسيارات التي تنقل المساعدات.

ومن الغريب أن المناطق التي تعرضت لهذه الكارثة كانت تعتبر من المناطق المأمونة من الزلزال، ولذلك لم تتخذ إجراءات للوقاية من الزلزال كما هو من العادة في المناطق التي تحدث فيها الزلازل لوقوعها في حزام الهزات الأرضية،حيث تتكرر حوادث الزلزال، ولذلك جاءت ا لخسائر في المنطقة المنكوبة أخيراً، أوسع، وقد هزَّت هذه المأساة البلاد بكاملها، وأثرت هذه المأساة في العالم كله أيضًا، وقدمت دول كثيرة مواد الإسعاف حسب إمكانياتها وحسب صلتها بتركيا وسوريا، وحسب مصالحها  وقد قدمت دول الخليج ودول العالم الإسلامي معونات كبيرة ، ما يدل على صلة هذه الدول بتركيا، وقدمت كذلك الهند معونة محترمة،وأبدت تأثرها بهذه المأساة الإنسانية، رغم الخلافات بين البلدين، وذلك واجب إنساني، وتلقت تركيا هذه المساعدات بطيب الخاطر مشكورة، واعتبرت هذا العمل مؤاساة، وتعبيرًا عن العاطفة الإنسانية.

وقد قدمت الدول هذه المساعدات بدون أي اعتبار للعنصر الذي تعرض لهذه الكارثة، ولطبيعة الصلات القائمة بينها وبين تركيا، فإن بعض الدول التي قدمت المساعدة لم تكن على صلة طيبة مع تركيا، بل يوجد بينهما صراع، لوجود قضايا معقدة بينهما، ولكن لم تحل هذه القضايا دون تقدُّم أي بلد من هذه البلدان بالمساعدة الإنسانية.

هذا هو الشعور الإنساني الذي يظهر عادة أثناء كل كارثة أو مأساة  إنسانية، ولمواجهة مثل هذه الأوضاع الطارئة توجد في العالم جمعيات ومنظمات للإغاثة والإسعاف، وهناك وكالات تابعة للأمم المتحدة ومؤسسات حرة، تعمل عملها إذا حدثت نكبة أو كارثة، وهو عمل مشكور، وكثير من هذه المنظمات توجد في الدول الأوروبية، فتسرع لعملية الإنقاذ والإسعاف، وكذلك إذا تعرضت سفينة، أو طائرة لحادثة تسرع جميعات الإنقاذ والإسعاف للنجدة والنصرة، فلا يرى أحد من هو المنكوب، وما هو جنسه، وعنصره، وعقيدته، لأنه واجب إنساني، وتزداد أهمية هذا الواجب الإنساني النبيل في عصر الانفتاح والحضارة والحقوق الإنسانية التي وضعت لها مواثيق ومعاهدات عالمية، ومنابر دولية.

ولكن في الوقت الذي يتقدم العالم للاستجابة لنداء الضمير الإنساني في هذه الكارثة الطبيعية التي حلت بتركيا وسوريا،ورغم مأساوية الحدث وفداحته، تستهزئ بما نزل بتركيا، بعض العناصر الدنيئة اللئيمة في غطاء حرية التعبير،وبخاصة في الدول التي تدعي بالحضارة واحترام الإنسان وصيانة كرامته بغض النظر إلى انتمائه،  فقد نشرت مجلة “شارلي إيبدو” الفرنسية في غضون يوم واحد من وقوع الكارثة، رسمًا كاريكاتيريًا يظهر مبنى مدمرًا، وسيارة مدمرة، وكومة من الأنقاض مع التعليق: “لا داعي لإرسال دبابات”،وقد سبق أن هذه المجلة الفرنسية نشرت رسومات أساءت فيها للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وللدين الإسلامي، بمناسبات عديدة.

وفي تعليقه على رسم “شارلي إيبدو” يقول مايك هولدرنس محرر موقع الصحفيين المستقلين بلندن -للجزيرة نت-: “حرية التعبير تعني بالضرورة الإساءة للمذنبين وملاحقة الفاسدين والضغط على الكاذبين والضغط على ذوي النفوذ، لكن استخدام حرية التعبير للإساءة بدون مبرر لأبرياء لم يرتكبوا أي خطأ، أمر صبياني”.

ولكن أن عددًا من النشطاء والصحفيين الفرنسيين -كما أفادت الجزيرة نت-“يعتبرون أنه ينبغي ألا يكون محرمات في مجتمعهم العلماني، حيث يستخدم رسامو “شارلي إيبدو” سياسة تحدّي الحساسيات الدينية والمحرمات المجتمعية كسياسية تحريرية متبعة”.

وكذلك جاء موقف الدول الأوروبية بطيئًا، فلم تنشط في تقديم المساعدة والعطاء بسخاء للمنكوبين بالزلزال العنيف في تركيا وسوريا،كما تنشط في تزويد أوكرانيا بالأسلحة المدمرة،وهذا الموقف يكشف عن وجه دول أوروبا التي لا تعرف الرحمة،  فاعتبر الكاتب البريطاني الشهير “ديفيد هيرستDavid Hearst” –كما أفادت الرسالة نت وعربي 21-: ” أن تعاطي الاتحاد الأوروبي مع كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا قبل أيام أظهره بأنه بلا قلب، معتبرًا أن هذا التكتل الإقليمي أضاع فرصة كانت سانحة أمامه لإظهار القيادة الأخلاقية والإنسانية أمام ملايين الناس”.

واستنكر “هيرست” في مقال نشره بموقع”ميدل إيست آي” البريطاني، تقديم أوروبا مساعدات باهظة لأوكرانيا خلال الحرب، بينما بخلت على تركيا وسوريا، حيث ساهمت بمساعدة بسيطة بمواجهة كارثة الزلزال التي حلت بالبلدين.

وقال: “إن بريطانيا قدمت 2.7 مليار دولار من الأسلحة لأوكرانيا، و6 ملايين دولار فقط للإغاثة في كارثة حلت بـ23 مليون شخص في تركيا وسوريا،ويسأل مستهجنًا: “هل هذه الأرقام حقيقية؟”، قبل أن يجيب: “على ما يبدو نعم”.

واستغرب “من إرسال الدول الأوروبية فرق الإنقاذ بعد مرور 3 أيام من وقوع الزلزال لتتم عمليات البحث والإنقاذ بشكل بطيء وكئيب”.

وأضاف: “للأسف حلت زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى بريطانيا وبروكسل مكان أخبار الزلزال “.

وأضاف:” أن إحجام الاتحاد الأوروبي عن أن يكون المستجيب الأول في هذه الأزمة أضاع فرصة لإظهار القيادة الأخلاقية والإنسانية أمام ملايين الناس وأن الغرب يمكنه إعادة البناء”. ( ديفيد هيرست : ميدل إيست آي، نقلا عن الرسالة نت)

فمن واجب الإنسان أن يتقدم لإسعاف كل من هو منكوب، وينصر المتضرر، بدون التمييز على أساس العنصر، والجنس،والعقيدة، فمن اللؤم والخسة والدناءة أن يستغل الإنسان الكوارث الطبيعية على أساس العقيدة، والعنصر، أو العداء والحقد الدفين، الأمر الذي ترفضه الحضارة، ولا يقبله الشعور الإنساني النبيل، والضمير الإنساني الحي.

×