شعائر الله تعالى وتعظيمها (3)

عاصفة يواجهها العالم الإسلامي والعربي (8)
4 مارس, 2021
لغة الحضارة (2)
4 مارس, 2021

شعائر الله تعالى وتعظيمها (3)

تعظيم القرآن الكريم:

يكفى لمعرفة تعظيم القرآن ذكر آية وردت في مواضع مختلفة في القرآن، وهي: “لعلهم يتفكرون” أي ليعلم العباد ما هي مكانة الله تعالى؟ وما هي قيمة الناس أمام ربهم؟ وما هي الواجبات والمسئوليات التي تعود إليهم؟ وكيف يعيشون؟ وكيف تكون أعمالهم؟ وما هي الطريقة المستقيمة التي يجب عليهم اختيارها؟ وما هي المشاعر والعواطف والكيفيات المرضية التي يجب أن يعمروا بها قلوبهم؟

لقد أنعم الله تعالى على عباده نعماً كثيرة لا تعد ولا تحصى، خلق لنا هذه الدنيا، وسخر لنا الشمس، وجعل القمر لنا نافعاً، وجعل لنا كل ما في السماوات والأرض وما يوجد فيها لنستفيد منه، فبالجملة قد هيأ الله تعالى لنا كل نوع من أنواع النعم التي نحتاج إليها في حياتنا، يقول ” وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ” [إبراهيم:34].

ولم يطلب الله تعالى من عباده بعد ما أنعم عليهم من هذه النعم، إلا أن يعبدوه، ويطيعوه في كل شأن من شئونهم، ولا يتعدوا حدوده ولايعصوه فيما أمرهم من الأوامر والنواهي، ولا يعدوا أنفسهم متساوين لربهم، بأن يعملوا بأهوائهم، ويعرضوا عن أحكام ربهم أو يقفوا منه موقفهم من أندادهم وأقرانهم، فإنهم يعملون ما يشاؤون ولا يعملون بما يأمرهم به ربهم الله، أو يشركون به غيره أو يعدون أنفسهم مساوين لربهم، أو يعتقدون في غيره ما يعتقدون به في ربهم، وهذا العمل شرك والشرك لظلم عظيم، ولذلك وصف القرآن كل من يعرض عن أحكام ربه، وينبذها وراءه ظهرياً، بالمجرمين،: ” وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ” [السجدة:22].

فإن الله تعالى هو الذي أعطى الإنسان كل ما يحتاجه، حتى أنزل كلامه إلى الأرض لفائدة الإنسان وهدايته، بعد ما لم تكن الأرض تستطيع أن تحمله، ولكنه أنزله ليسلك الإنسان الصراط المستقيم، فلابد للإنسان أن يعلم قيمة هذا الكلام الإلهي، ويعظمه ويقدره حق قدره، وهذا التعظيم واجب محتوم.

آداب القرآن:

قد بيّن القرآن المجيد نفسه، ما يستحقه من أدب واحترام وتعظيم، فيقول: “لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ” [الواقعة:79].

لا يمكن أن يكون الإنسان مطهراً تطهيراً كاملاً، لأنه لا يعلم ما يشتمل عليه بطنه، ولكن الله تعالى علّم الإنسان طريقة للتطهير في الظاهر، يكون باختارها مطهراً، فعلى كل إنسان أن لا يمس القرآن ولا يقرأه إلا إذا كان مطهراً، ويعتقد أن الله سبحانه وتعالى قد أنعم عليه بأن وفقه للاستفادة من القرآن وتلاوته، وجعله أهلاً لذلك بعد أن كان لا يحتمل ذلك.

ومن آداب القرآن الكريم وتعظيمه أن لا نقصر أي تقصير في تعظيمه وتقديره، والمراد من تعظيم القرآن بالإضافة إلى مراعاة آدابه من التقدير والاحترام الظاهري، أن نستهدي بما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام، ونقضي الحياة وفقها، وبالاهتداء بهدي القرآن ننال رضي الله، لأن الغرض من نزول القرآن الكريم أن نستفيد به ونصلح حياتنا وننورها بنوره، وإذا فعلنا ذلك يرض الله عنا، ويسرّه أن عبده يطيعه فيما يأمره به، ويسلك على الطريق الذي قرره وبيَّنه ليعمل بما أمره به من أحكام وتعاليم، وقد رغّب القرآن الكريم الإنسان إلى ابتغاء رضي الرب والعمل بأوامره: “وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ” [الزمر:55].

النظام الدنيوي والنظام الأخروي:

لابد من فهم الفرق بين النظام الدنيوي والنظام الأخروي، وأما النظام الدنيوي، فهو نظام أرضى، فإن نضع في الأرض بذوراً، تنبت، أو نغرس فيها تنشأ الأشجار، أو نركب لبنة بلبنة فإنه تقوم العمارة.

وأما الآخرة، فلا يعمل فيها هذا النظام الأرضي، بل نظامها روحاني، ولا نجد فيها إلا ما عملنا في الحياة الدنيا، فإن نرد أن نجد في الحياة الأخروية جنات أو قصوراً، أو أنهاراً، فإن ذلك يتطلب منا أن نقوم -بعيداً من الأسباب الظاهرة- بالأعمال التي بينها الله تعالى في كتابه المجبد والنبي صلى الله عليه وسلم بقوله وعمله وتقريره.

جزاء العمل بتعاليم القرآن:

ونتيجة امتثال الأحكام الإلهية والعمل بتعاليم القرآن، هي أن تحصل لنا قوة سماوية تنفعنا في حياة الآخرة، وذاك أنه لا ينفع في الآخرة إلا الإيمان والعمل الصالح، وبهما نتمتع بتلك النعم الغالية النادرة التي ورد ذكرها في مواضع مختلفة من القرآن الكريم:

“إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ” [الحج:23].

وعلاوة على آيات القرآن المختلفة توجد أحاديث كثيرة تؤكد أن حياة الآخرة كمكان قفر لا يجد الإنسان فيه أي راحة،ولا يرى أنيساً، فإن الحصول على أدوات الراحة فيها يحتاج إلى القيام في الحياة الدنيا بأعمال تؤدي إلى تحقيق الحاجات في الحياة الأخروية، وبذلك يكون الإنسان مصوناً محفوظاً من المتاعب والمشاكل في الآخرة، فقد ورد في حديث نبوي:

“قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقيت إبراهيم ليلة أسرى بي، فقال: يا محمد! أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، غراسها سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر”. [سنن الترمذي، أبواب الدعوات، باب غرس الجنة: 3798]

وجاء في حديث آخر: “من قال سبحان الله العظيم بحمده، غرست له نخلة في الجنة” [سنن الترمذي، أبواب الدعوات، باب من قال سجان…: 3800].

وجاء في حديث: “ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلى عليه سعبون ألف ملك حتى يمسى وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حى يصبح، وكان له خريف في الجنة”. [سنن الترمذي، باب الجنائز، باب ما جاء في عيادة المريض: 985]

وروى الترمذي أن في الجنة لغرفاً يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها، فقام إليه أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله! قال: هي لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى لله بالليل والناس نيام”. [سنن الترمذي، أبواب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة الجنة، غرفة الجنة: 2718]

فلابد لنيل جنات النعيم، والغرف العليا، والأشجار المظلة، والأنهار الجارية أو نعم أخرى في الجنة، من القيام في الحياة الدنيا بالأعمال التي طولب منا أن نقوم بها، والمراد من هذه الأعمال، هي الأعمال التي بينها لنا القرآن والحديث النبوي، فإن تقم بها في الحياة الدنيا تنفعكم في الآخرة وإن لم تفعلوا ستكونوا من الخاسرين، ولا تجدوا إلا مكاناً قفراً لا تجدون فيه شجرة مظلة، ولا يغنيكم من جوع وعطش، كأنه حجارة إذا قمت عليها لا تظلكم ولا تريحكم .

 

(فضيلة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي)

×