وكان أرفق بالناس

كتاب “العلامة الشريف محمد واضح رشيد الحسني الندوي حياته وفكره وأعماله” للدكتور محمد أكرم الندوي
21 مارس, 2020
حبيب
21 مارس, 2020

وكان أرفق بالناس

من محاسن ما خلفه لنا علماء التراجم والسير، قولهم في تعريف أحد من الخلفاء أو الملوك أو العلماء “وكان أرفق بالناس” كما نجد أيضا بعض العلماء يقدمون رأيا على رأي آخر، وحجتهم في ذلك الرفق “هذا أرفق بالناس” فيأخذون برأيه وإن كان مخالفا لمذهبهم.

والرفق مسلك إسلامي أصيل، هو منهاج القرآن الكريم والسنة النبوية في هداية الخلق ودلالتهم على الله، باللين بالقول والفعل، وهو ضدّ العنف والحدّة، والرفق لين من غير ضعف.

ولهذا أرشد الله نبيه إِليه فقال له: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ” [آل عمران:109] أي: لو كنت قاسياً جافاً ما تَأَلَّفَت حولك القلوب، ولا تجمعت حولك المشاعر.

وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرفق وبالغ فيه، جاء في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَهْلاً يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّه”.

ثُم بَيّنَ أَنَّ الرفق بوابة كل خير فقال: “مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ”، كما بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ زِينَةُ العمل فقال: “إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ”.

وقد تمثل الصحابة الكرام والأئمة والعلماء والصلحاء خلق الرفق في سلوكهم وكتاباتهم وفتاويهم متأسين برسول الله صلى الله عليه وسلم:

وابسُطْ الرِّفْقَ والجَدَى لكريم بِبِساطٍ عن اللئيم طَوَيْتَه

وتواضع فالكبر داء عُضالٌ أخبَثُ الخُلْقِ كِبْرِياءٌ نَفَيْتَه

والأمة الاسلامية اليوم  أحوج ما تكون إلى الرفق، محتاجة إلى من  يؤلف قلوب المؤمنين بالموعظة الحسنة قال تعالى: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن” [النحل:125] وعليه فالدعوة المثمرة تقوم على أُسسٍ ثلاثة: الحِكمة، والموعظة الحسنة، والجدال الحسن، الذي يُراد منه الوصول للحق، لا الإفحام وحب الظهور.

وكم جنا حب الظهور على بعض الدعوات التي كانت صادقة في أولها، فنخرها الكبر من داخلها فوهن جسدها، ومرضت وأمرضت، ومن أين لها أن تأتي بالرفق والمحبة تحرثها في أرض الأمل؟ إن لم تستوح الكلم الطيب، ولم تتقيد بشريعة الرحمة، ولم تتكئ على مثال سنة الرفق؟

ولن يتخلق متخلق ويرأف رؤوف بالانسانية جمعاء، ولن يهتدي إلى خلق رسول الله “إلا بهدي القرآن” الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، به تطب القلوب، وبه تهذب الأخلاق، وفي مدرسته تطبع كل الأخلاق.

وما رحم الراحمون وتقرب المقربون ووصل الواصلون إليه إلا بما عندهم من تربية قرآنية نبوية تهديهم إلى طريق قويم قال الله تعالى: “إنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا” [الإسراء:9].

وهدي القرآن هو الخطاب الأصيل الذي يوقظ فطرة الإنسان، وغيره دخيل متطفل على الفطر، وهل يوجد خطاب بليغ فيه الشفاء والرحمة من غير خطاب القرآن؟ كلا! قال الله تعالى: “وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ” [الاسراء:72].

وصفوة القول أن الرفق من ميراث النبوة، ومَنْ أَحَقُّ بهذا الميراث غير أمة رسول الله!

فكن أرفق بالناس وكن للرفق رسولا.

إسماعيل برو، المغرب، جامعة السعدي

×