يحتل القطاع الزراعي مكانة مرموقة في إقتصاد الهند ولكنه يعاني بكثير من المشاكل وأهمها أنه غير مربح ما يؤدي إلى دخل الفرد المنخفض لسكان القرية بالنسبة لسكان الأرياف ومعظم المزارعين يعيشون في فقر مدقع كما أن القطاع الزراعي في البلاد مزدحم للغاية حيث إنها توظف أكثر من ٥٠ في المائة من القوى العاملة مع أنه لا يسهم إلا بنسبة ١٨ في المائة من الناتج المحلي الإجمالي فحسب. وبينما المدينة توفر الفرص التي مكنت أهاليها من العيش حياة أفضل وكما إنما المدينة تمثل الحداثة وتوفر الحرية لأهاليها لأن الناس لا يتدخلون في أمور الآخرين ولا يأبهون إلا بأنفسهم خلافا للقرية. ويمكن للمنبوذين والذين ينتمون إلي الطبقات الدنيا من الهندوس أن يسقطوا اسمهم الثاني الذي يؤمي إلى شخصيتهم ويحصنوا أنفسهم من التمييز الطبقي فهذه هي الصورة المتلألئة للحياة الحضرية التي أدت إلى تدفق مستمر من موجات المهاجرين إلى المدن والبلدات الهندية. ومن هنا تبدأ مشكلة العمال المهاجرين. تشير معطيات وزارة الداخلية أن هناك٤٠ مليون عامل مهاجر في البلاد. إنهم يعملون في المصانع والشركات ويشتغلون في وظائف شتى في المدن الهندية ويعيشون في حارات مكتظة وغرف ضيقة ويلبسون ثيابا بالية ويأكلون من الغث والسمين ويعملون جاهدين لكي يرسلوا بعض النقود لأسرهم في القرية في نهاية الشهر. وكيف يمكن لنا أن ننسى أن هذه هي الطبقة العاملة التي تعمل ليلا ونهارا وولا تكترث بحمارة القيظ وصبارة البرد لكي توفر لنا المواد الأساسية والتسهيلات اللازمة التي لا يمكن لنا أن نعيش بدونها.
وهم الذين تحملو العبء الأكبر بعد أن أعلن الإغلاق في الهند بسبب تفشي فيروس كورونا. قد فقدوا وظائفهم وما كان لهم نقود يعولوا عليها في المدينة وكانت وسائل النقل معطلة بسبب الإغلاق فاضطروا أن يعودوا إلى أوطانهم سيرا على الأقدام حاسري الرؤوس، مغبرة الشعر منهوكي القوى مما يشكل أكبر نزوح شهدت الهند بعد التقسيم فكم منهم من اجتازوا مئات كيلومتر لكي يروا أسرتهم في هذه الوقت الحرج وهم قد تركوا رجاء اللقاء من قبل وكم منهم من لقوا حتفهم أثناء السفر بعد أن أصابهم حادث من حوادث الطريق ومنهم من مشوا طول النهار وناموا على سكة حديد فسحقهم القطار في الليل وهم نائمون ومنهم من مشوا مئات من الأميال حتى كادوا أن يبلغوا قريتهم وتعثرت أقدامهم من شدة الإعياء والتعب ووقعوا على الأرض هامدين ويا لها من أم لفظت أنفاسها الأخيرة على محطة سكة حديد وإبنها الصغير يتوهم أنها نائمة وهو يجذب بقطعة قماش تغطيها لكي يوقظها ويبكي أن أمه لا تجيب. وكم منهم لا يزالون على الطريق وقد تورمت أقدامهم واكتئبت نفوسهم وتحطمت أعضاءهم من شدة اللغوب وهم يشرئبون إلى بيوتهم بين الخوف والرجاء.
هذه الأحداث تكشف الغطاء عن عدم المساواة السائدة والشقاوة البالغة في حياة العمال المهاجرين ولا بد من الإمساك بأيديهم وصيانة حقوقهم وإتاحة ما يكفي من الوقت والتسهيلات لهم لكي يعد أنفسهم لظروف طارئة مثل هذه، والتزام جميع المواثيق والإتفاقيات الدولية بصددها، والإعتبار أن الهجرة غالبا ما تكون السبب في نشوء مشاكل خطيرة لأفراد أسر العمال المهاجرين وكذلك للعمال أنفسهم ولا سيما بسبب تشتت الأسر فلا بد من الحد لهذه الهجرة المشئومة وإيجاد فرص عمل في القرية فإن معاناة العمال المهاجرين البالغة تتطلب أن تقدم لها حلول ناجعة في أسرع وقت ممكن.
عامر ضياء (باحث الدكتوراه بجامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي (الهند)