الرومانسية في الشعر العربي

ومضة من حياة فاتح القسطنطينية المعنوي
21 أبريل, 2021
الشيخ محمد ولي الرحماني في ذمة الله تعالى
21 أبريل, 2021

الرومانسية في الشعر العربي

الرومانسية لغة واصطلاحا

كلمة الرومانسية من حيث الجذر اللغوي كلمة مشتقة من كلمة “رومانيوس” وقد أطلقت هذه الكلمة على اللغات والآداب التي تفرعت عن اللغة اللاتينية القديمة، ويرى البعض أن “رومانس” لفظة اسبانية تدل على نوع من الصياغة الشعرية مؤلفة من مجموعة أبيات ثمانية المقاطع تكون فيها الأبيات الزوجية مشتركة في القافية والأبيات الفردية مطلقة.

الرومانسية في الشعر العربي القدبم

حسبما يعتقد الكاتب أن الشعر العربي منذ عصر الجاهلية إلى العصر العباسي لم يكن خاليا عن الرومانسية حيث كان الشعراء يستهلون قصائدهم بالحديث عن الأطلال والحبيبة، ويتغزلون بها قبل الانتقال إلى الموضوع الأساسي للقصيدة، ومن أبرز شعراء الشعر الرومانسي في العصر الجاهلي، الشاعر امرؤ القيس، بقصائده الخالدة في وصف الحبيبة والشوق إليها، وعنترة بن شدّاد،ثم شهد عصر صدر الإسلام شعراء في الغزل كثيرين، قد يكون أشهرهم الشاعر عمر بن أبي ربيعة الذي رسم للمرأة صورة جديدة في شعره، وقيس بن الملوّح الذي نظم الأشعار في حُبّه لليلى وعذاباته في بُعده عنها. وأما في العصر العباسي فقد اشتهر فيه الشاعر الأعمى بشار بن برد، الذي لقّب بإمام الشعراء المُولّدين، وكتب أجمل قصائد الغزل، وصولاً إلى الأميرة الأندلسية والشاعرة ولادة بنت المستكفي(1).

الرومانسية في الأدب الحديث:

ولكن الرومانسية كحركة أدبية ونظرية معقدة ظهرت أولا في الأدب الأوربي منذ نهاية القرن الثامن عشر متأثرا بالاتجاهات التنويرية وتحديا للانقلاب الصناعي الحديث ورد فعل للكلاسيكية والواقعية في الأدب والنزعة الشمولية السياسية(2) وبرزت ملامحها في الأدب العربي الحديث في المدة بين الحربين العالميتين في بداية القرن العشرين بسسب ازدياد الاحتكاك بين العالم العربي والدول الغربية الأوربية، وخلال فترة الاستعمار وتدفُّق الهجرات العربية إلى الغرب، وكان أول ظهور للمذهب الرومنطيقي على شكل حركة نقدية نظرية دخلت في عالم الأدب العربي عن طريق كتابين اثنين صدرا في العشرينيات من القرن العشرين، الكتاب الأول كان بعنوان “الديوان” للأديبين عباس محمود العقاد وإبراهيم عبد القادر المازني وصدر هذا الكتاب عام 1921م، أمَّا الكتاب الثاني فكان من تأليف الأديب ميخائيل نعيمة وهو بعنوان “الغربال” عام 1922م، وكان لهذين الكتابين الفضل الكبير في بثِّ روح هذه الحركة في الأدب العربي وشيوع الرومنطيقية في الأدب العربي فيما بعد، وقد شاعت الرومنطيقية في الأدب في العديد من أشكال الفنون الأدبية كالرواية والشعر والغناء الوجدانيّ.

العناصر الرئيسية في الشعري الرومانسي

تتسم الرومانسية بالغنائية والحرية في طريقة التعبير والتفكير وتلجأ إلى جمال الطبيعة وتصفها وصف العاشق لجمال المناظر الطبيعية وتحترم كيان الإنسان، وقامت الرومانسية بدور كبير في إعادة الشعر العربي إلى التدفق والحيوية وجددت عوامل سياسية واجتماعية وفكرية ودعت إلى اتخاذ العاطفة أساسا في التجربة الفنية.

اتخذت الرومانسية سبيل الإبداع لأنه ينبع من مبدئها الأساسي وهو الحرية فالنفس الرومانسية تومن إيمانا قويا بالانطلاق والتحرر والتنفيس عن الرغبات المكبولة في العقل الباطن ومن هنا كان للخيال دور كبير في المذهب الرومانسي لأن الشاعر يعتمد عليه اعتمادا كبيرا في ممارسته حريته وارتياد آفاق جديدة يحلق فيها(3).

رواد الرومانسية العربية

أول من اتجه تجاه الرومانسية في الشعر العربي هو شاعر القطرينخليل مُطران1872 –1949 اذ نهج بشعره منهج التغيير الحي عن وجدانه وتجاربه الذاتية وكانت خطوته خطوة انتقالية من الكلاسيكية إلى الرومانسية،ومن أحسن ما قال في الرومانسية قصيدة المساء والأسد الباكي، وكقوله يغبط الطير مسقطا ذلك على واقعه:

يا أيها الطائر المغني

بلا نثيرٍ ولا نظيم

من لي بشدو طليق فنٍّ

كشدوك المطرب الرخيم

فأنت تشدو بلا بيانٍ

وما تشاء المنى تجيد

ونحن باللفظ والمعاني

نعجز عن بعض ما نريد

وكان لعباس محمود العقاد(1889م- 1964م) وعبد الرحمن شكري (1886م – 1958م) وإبراهيم عبد القادر المازني (1889- 1949م) دور قيادي في تعريف الرومانسية في الأدب العربي الحديث وهم من أوائل الأدباء الذين انطلقوفي طريق الرومانسيةحيث أسسوا مدرسة الديوان وكان هدفهم وراء إنشاء المدرسةالتمرد على الأساليب القديمة المتبعة في الشعر العربي سواء كان في الشكل أو المضمون أو البناء أو اللغة والاتخاذ من مظاهر الطبيعة رموزا للأحاسيسهم وملاذا لغربتهم النفسية فهذا العقاد يخلغ على الليل والبحر مشاعره وهو يقول.

غرب البدرُ أم دفين بقبرِ

وهوى النجمُ أم أوى خلف سترِ

وكهذا الظلام خيرٌ من النـ

ـور إذا كنتَ لا ترى وجه حرِّ

هاهنا أُطلقُ العنان لأشـ

ـجاني وأبكي لنفسي وأُنشدُ شعري(4)

وهكذا سارالأدباء والنقاد الذين هاجروا من البلدان العربية إلى أمريكتينالشمالية والجنوبية واللذين انضموا إلى مدرسة أبولو سير الرومانسيين في أسلوبهم وموضوعاتهم الأدبية والشعرية وقد قام المهجريون بتشكيل لجنتين أدبيتين باسم الرابطة القلميّة والعصبة الأندلسيّة وهاتان اللجنتان قامتا بإثراء الأدب الرومانسي العربي الحديث أكثر بكثيروناولوا العناصر الرومانسية بطريقة أحسن.

الهوامش:

1-شعراء الرومانسية.. غزل على إيقاع القلوب لريما كيروز مقالة نشرت على الموقع https://www.zahratalkhaleej.ae/18 فبراير 2019 بقدر من التصرف.

2- الرمزية والرومانسية في الشعر العربي لفايز علي ص: 31.

3- دراسات في الأدب العربي الحديث للدكتور لمحمد مصطفى هدارة ص: 26.

4- المرجع السابق ص: 29.

 

محمد سعود الأعظمي الندوي

باحث في الدكتوراه بجامعة جواهر لال نهرو دلهي الهند

×