الإعلام يفقد ثقة الشعب

مؤتمر دولي افتراضي حول الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي ومآثره
3 فبراير, 2021
لا يحق لأحد أن يتدخل في الحياة الزوجية للبالغين
3 فبراير, 2021

الإعلام يفقد ثقة الشعب

نشرت جريدة “آك” الأردية اليومية مقالاً لماركندي كاتجو، قاضي المحكمة العليا سابقاً، في عددها الصادر في 5/1/2012م جاء فيه أن الإعلام الهندي فقد في هذه الآونة صوته، وحُرِم ثقة الشعب، وتحوّل إلى إعلام تبنّته الحكومة عن طريق تمويله، فصار أداة فعالة لها، أعرب الصحفي البارز روش كمار، الحائز على جائزة ميكسي، عن رأيه في هذا الصدد قائلاً: “لقد أصبح الإعلام في الهند جزءاً للعمود الأول في أغلب الأحيان بدلاً من أن يكون عموداً رابعاً من أعمدة الجمهورية، ويخدم الشعب الهندي”.

إن هذا البيان الذي أدلاه رويش كمار يثير في أذهاننا سؤالاً جوهرياً عمَّ يجب على الإعلام أن يمثله من دور، إذا استعرضنا ذلك تاريخياً ظهر لنا أن وسائل الإعلام ازدهرت في بريطانيا وفرنسا خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر من الميلاد، وبرز الإعلام كممثل للشعب ضد هيمنية النظام الإقطاعي في الفترة التي كانت السلطة بمختلف فروعها بأيدي الحكام الإقطاعيين من الملوك والسلاطين ومن والاهم،فاضطر الشعب إلى إيجاد ممثل جديد له يتولى تمثيل مصالحه، وهكذا كان الإعلام من الوسائل الحديثة الممثلة للشعب.

ولقد مثل الإعلام في أوربا وأمريكا صوت المستقبل، وظهر صوت جديد عوضاً عن الفروع الإقطاعية، واستخدم كبار الأدباء من أمثال والتير، وروسو، وتهامس بين وغيرهم، الإعلام – الذي لم يتجاوز طور الإعلام المطبوع، ولم يظهر بمظهر الجرائد والصحف، بل بقي منحصراً في إطار الرسائل والكتب الصغيرة – كأداة لمكافحة النظام الإقطاعي، والعصبية الدينية، والمحاباة، والاعتقادات الواهية، وهكذا مثل الإعلام دوراً كبيراً في إدخال المجتمع الأوربي، والنظام الإقطاعي في العصر المعاصر، نحن نستهدف تحويل الهند من بلد نام غير متقدم إلى بلد صناعي راقٍ للغاية القصوى، وإن لم نفعل ذلك نتعرض للفقر والبطالة، وازدياد العدد الهائل المؤلم للأطفال الذين يقعون فريسة لأنواع من النقص والخلل من جراء سوء الغذاء، وقلة الرعاية الصحية، وعدم توافر الفرص الجيدة لثقافة الشعب وتعليمه.

ففي هذه الأوضاع التي تواجه فيها بلادنا تطوراً تاريخياً يتحتم على الإعلام الوطني أن يقوم بتمثيل دور مماثل للإعلام الأوربي فيما مضى من الزمان، فيجب على الإعلام الهندي تحقيقاً لهذا الغرض أن يضطلع بخدمة الشعب بدلاً من خدمة الحكومة أو تمثيل السلطة، كما صرح بذلك القاضي بليك في المحكمة العليا بالولايات المتحدة الأمريكية، لقد مسّت الحاجة في هذه الآونة إلى أن يقوم الإعلام الهندي بشن الغارة على القوى التي تؤمن بالنظام الإقطاعي، وتحمل هذه الفكرة، فمثلاً قد تضخمت  المساعي في هذه الفترة لتقسيم المجتمع على أساس الديانة، والعصبية، والطائفية، الطبقية والعنصرية، تم عرض للأزياء خلال أسبوع ليكمي للموضة قبل عدة أعوام في ممبئ قامت فيه العارضات بارتداء الملابس القطنية، وتولىّ تغطية هذا الحدث أكثر من خمس مائة صحفي يمثلون طرازاً لموضة الحياة، ومن المستملح في هذا الصدد أن العارضات كن يرتدين الملابس القطنية، في جانب، وكان الفلاحون المشتغلون بالزراعة ينتحرون في جانب آخر، ولم تكن حوادث الانتحار تحدث في أماكن بعيدة، بل تحدث في “ودهربها” الواقع على بعد عدة كلو مترات من الموضع الذي تم فيه عرض الأزياء ولم يقم بتغطية حوادث انتحار الفلاحين غير عدد من الصحفيين المحليين.

لقد تناسى عدد من مقدمي برامج التلفاز أخلاقهم الإعلامية، وظلوا عاكفين على الدعاية، وقد صدرت من الإعلام أعمال تثير العجب، وتدعو إلى الاستغراب، فقد أعرض الإعلام عن عرض الحقائق على الناس، إن منظمة تدعى جماعة الدعوة والتبليغ استهدفت – قبل مدة قصيرة – الإعلام للنقد اللاذع والتنديد الشديد؛ لأجل أن الإعلام وصفها بجماعة يقوم أعضاؤها ببث فيروس كورونا، وسماهم “مجاهدي كورونا” و”قنابل كورونا”، وقمت شخصياً ببحث هذا الأمر فوجدت أن كل ما ألصق بهذه الجماعة من التهم لا يقوم على أساس من الصحة، لا جرم أن جماعة الدعوة والتبليغ منظمة دينية ينعقد اجتماعها في مركزها الواقع في دلهي مرة أو مرتين كل عام، يحضره المسلمون من مختلف البلدان، وقد حضره في هذا العام عدد وجيه، من إندونيسيا، وماليزيا، وقزاقستان والإمارات العربية المتحدة وغيرها من البلدان، ومما يبدو أن بعضهم كان مصاباً بفيروس كورونا، ومن الخطأ الفاحش أن يقال فيهم أنهم تعمدوا جلب هذا المرض، وهموا ببثه في الهند دون أن يكون لديه بذلك علم.

لقد كانت الدعاية الباطلة من قبل بعض الأوساط الإعلامية، وقد أدركت المحكمة أن هذه الدعاية كانت باطلة مضللة، وهناك مثال آخر للإعلام الذي موّلته الحكومة الهندية ما يقوم به الفلاحون من المظاهرات احتجاجاً ضد القوانين الزراعية الأخيرة، وقد وصفته وسائل الإعلام الممولة بحركة للباكستانيين، والخالصتانيين والموالين لمأو وغيرهم من المعادين للوطن، ويمكننا أن نقدم أمثلة كثيرة لتقارير مؤسسة على العصبية.

وبوسع كل مواطن من مواطني الهند أن يأمل أن الإعلام يخرج من مستنقع هذا الوضع الفاسد في يوم من الأيام، ويبرز كممثل لمصالح العامة، لا كمعاد للشعب.

 

القاضي السابق ماركندي كاتجو

تعريب: د/ نذير أحمد الندوي

×