عاصفتان في دلهي (1)

منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (7)
26 يونيو, 2022
منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (8)
17 يوليو, 2022

عاصفتان في دلهي (1)

الكاتب: إيم ودود ساجد

تعريب: مبين أحمد الأعظمي الندوي

( نشر هذا المقال في العمود الأسبوعي “رد فعل” في صحيفة ” انقلاب” الأردية اليومية”)

الإعصار الذي ضرب مدينة دلهي في 30 من مايو 2022م كانت سرعته 100 كم في الساعة حسب إدارة الأرصاد الجوية، بحيث أن شوارع نيو دهلي عندما تكون خالية تماماً لم يكن يمكن لسيارات موكب رئيس الوزراء أن تسير على أي واحد منها بتلك السرعة. وفي لحظات قلائل، اجتاحت العاصفة مدينة دلهي وأحدثت دمارًا كبيرا، بما فيه اقتلاع الأشجار القديمة الضخمة التي كانت واقفة على سوقها منذ مأة سنة ماضية في أهم مناطق دلهي.

عندما بدأت العاصفة كنت جالسًا داخل قاعة كبيرة أشاهد “عاصفة” أخرى شديدة تبعث – من شدة هوجها وحدتها- الذعر والخوف في النفوس وتحير العقول والألباب. وكنا – حوالي 60-70 صحفيًا- ننتظر قدوم وزير الداخلية الهندي أمت شاه إلى القاعة. فوصل وزير الداخلية متأخرا واعتذر قائلا: تأخرت لأجل عاصفة رهيبة في الخارج. وبعد وصول وزير الداخلية، اشتدت حدة العاصفة التي كنت أشهدها قبل وصوله.

والقاعة التي رُتب لنا الجلوس فيها كانت المقرَّ الرئيسيَّ لحزب بهاراتيا جاناتا الواقع في “شارع دين دايال أوبادهياي” في دلهي. وكان الصحفيون الكبار للإعلام الإلكتروني جالسين معي في تلك القاعة. تعرفت على قليل منهم، وأثناء لقائي ارتسمت بسمة خفيفة على بعض الوجوه أيضاً.

في هذا الاجتماع غير الرسمي الذي عُقد بمناسبة استكمال ثماني سنوات من حكومة مودي، أخبرني الذين دعوني إلى ذلك الاجتماع بإصرار شديد أنك أنت الوحيد الذي تم دعوتك إلى هذا الاجتماع “كمحرر اللغة الأردية”. غير مستبعدٍ أن يتواجد هناك من يكون من الصحافة الأردية إلا أن رئيس قسم الأردو لقناة نيوز 18 تحسين منور كان جالساً إلى جانب رئيس حزب بهاراتيا جاناتا جي. بي. ندا. وكان وزير الداخلية الهندي أمت شاه جالسًا أمام عيني.

وفيما يبدو، إن جميع الصحفيين الموجودين هناك لديهم نفس الرأي تقريباً. فإن أكثرهم – قبل وصول وزير الداخلية الهندي- كانوا يتحدثون فيما بينهم حول موضوعات ساخنة وقضايا حساسة مثل قضية “شيولنك” (العضو التناسلي لـ” شيو” الذي يعتقده الهندوس إلهاً) و”قضية غيان وابي” باهتمام كبير ونشاط وحماس، حتى أن من يسمع حديثهم فلن يعتقد أنهم ينتمون إلى وسائل الإعلام المحايدة. وكان العديد من عمال حزب بهاراتيا جاناتا يقفون أمام عيني خلف وزير الداخلية الهندي صفاً، بمن فيهم ثلاثة ناطقين رسميين باسم حزب بهارتيا جانتا: سامبت باترا، والسيد ظفر إسلام، وشهزاد بونا والا.

وقبل ذلك، في 28- 29 مايو 2022، عقد اجتماع لمدة يومين للجنة التنفيذية لجمعية العلماء في ديوبند، بعيدًا عن دلهي، ألقى فيه رئيس جمعية العلماء بالهند محمود أسعد المدني خطاباً حماسياً لتشجيع المسلمين وإعادة الثقة فيهم، وأصبح الخطاب موضوع نقاش في دوائر مختلفة. حتى أن بعض مذيعي التلفزيون كانوا يذكرون ذلك الخطاب هناك، وقال مذيع متحمس يجلس خلفي:

“ماذا حدث للمدني؟”

فأسرع مذيع التلفزيون الآخر وكان جالساً بجواري -كأنه ينتظر نفس السؤال- وأجاب قائلاً: “إنه بدأ يميل إلى التطرف”.

وقال الذي عن يميني: “لم يكن هكذا من قبل، وكان يتكلم باتزان”.

وقال الرابع: “يا هذا، كلهم واحد من الداخل. فهذا يقود المسلمين نحو التطرف”.

فقال الأول: “إذن ماذا سيحدث الآن؟”

فأجاب الآخر: “سيكون هناك شجار وقتال”.

وبدوره، أكد أحد مذيعي التلفزيون قائلاً: “لن يحدث شيء. كل ذلك بتواطؤ حكومي. فكل ما قاله لم يكن إلا بأمر من الحكومة.”

وأنا أرى كل ذلك وأتسائل نفسي: أو ليس هذا اجتماعاً للحضاريين، وكنت غارقاً في هذا التفكير، إذ وصل وزير الداخلية الهندي، وكان اهتمامي كل الاهتمام بأن أعرف وجهة نظر وزير الداخلية الهندي بشأن هذه القضايا معتقداً مني بأن بعض الصحفيين سوف يسألون وزير الداخلية عن حالة القانون والنظام والحكم والأمن الداخلي والبطالة وغيرها من القضايا الهامة التي ظهرت بشكل ملموس في ساحة الهند خلال السنوات الثمانية للحزب الحاكم، وفي أثناء ذلك، جاء وزير الدفاع الهندي راجنات سينغ.

خاطبت صحفية جالسة ورائي وزير الداخلية وقالت: “سيدي!، ما الذي يحدث في بنغال؟ لقد عدتُ للتو من هناك. هذه حكومة معادية للهندوس بشكل علني. فإنها لا تضطهد أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا، بل إنها تقتل الهندوس.”

هز وزير الداخلية رأسه (لعله يؤيد رأيها).

وقال صحفي يجلس بجواري، وكان يبدو عاقلاً ومدركَ الأمور نسبيًا: “أيها الأخ أمت! لعل مقرات بي جي بي تم فتحها الآن في جميع أنحاء البلاد؟”

وكان الجواب: لا تزال هناك عدة مديريات تنتظر.

سأل صحفي شبه ناسك هندوسي: “ماذا يحدث لـ”غيان وابي” أيها الأخ أمت!؟”

رد وزير الداخلية قائلاً: إن هذه القضية مطروحة أمام المحكمة من قبل المدعين، والحكومة حيادية فيها، وستعمل الحكومة عملها وفق القانون.

فقاطعه صحفي وقال: القانون هو لعام 1991 (كان يشير إلى قانون حماية أماكن العبادة لعام 1991، والذي ينص على أنه لا يمكن العبث بأي مكان كان مختصاً بأداء العبادة حتى 15 أغسطس 1947) ولماذا لا تلغي هذا القانون؟ فرد وزير الداخلية قائلاً: إن هذه القضية أيضاً مطروحة أمام المحكمة، وقال: “لا ننوي أن نقوم بأي شيء في هذا الصدد”. (يتبع)

×