بين الأمة الراقية والأمة المتخلفة

بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية
17 فبراير, 2020
الناصح والمنصوح
21 مارس, 2020

بين الأمة الراقية والأمة المتخلفة

أخي العزيز

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأمة المرشحة للنهوض – أيها الأخ – هي تلك التي تعتز بماضيها وتفتخر بتاريخها مستفيدة من الأخرى ما يقوى طاقاتها ويشحذ همم أبنائها، ويشعل مشاعرهم، ويزيدهم قوة وحماسة في الدفاع عن حوزة القوم وتراثه التليد.

ولعل من منافع الاهتمام بالحضارة والقيم هو زرع الثقة بالنفس وإيجاد الوعى والشعور بالمسئولية والشعور بالعزة والكرامة، والتخلص من مركب النقص وعدم الانبهار بحضارة الأجانب، والإيمان الكامل بتراث القوم الروحي والدنيوي.

فمن هذا المنطلق –أيها الأخ-يجب على المسلمين أن يتبنوا قيمهم الإسلامية وأقدارهم المتينة، ويفتخروا بماضيهم المشرق يوم كانوا رُوَّاد العلوم والفنون، وحملة لواء الثقافة والحضارة، ويوم كانوا منارة نور ومعالم طريق للناس في سبيل الاكتشافات والابداعات الكونية والفلكية، يسلكون في ضوء دراساتهم المحكمة الناضجة.

فإنهم يرجع إليهم الفضل في ترقية العالم والنهوض به إلى الازدهار، ويحق لهم الاعتزاز والتغني بمحاسن ماضيهم وروائع حضارتهم الإسلامية.

وفي فترات التخلف –أيها الأخ-ينشأ في الأمة المتخلفة الانكسار والهزيمة النفسية والتقليد الأعمى في مجالات الحياة كلها حتى في تفريق الشعر، وطبيعة الكلام، وطريقة القومة والقعود، ونوعية اللباس والزينة، وعقد المجالس والحفلات بل ربما تتعدى شدة التخلف إلى أن تسود على الأفكار والأذهان، وتتغلب على الأقلام والألسنة، فأفراد الأمة المتخلفة يصبحون عبيداً أذلاء في جميع المجالات. هذا يفكر بذهن الغير وعقله، وهذا يكتب بقلم غير قلمه، وينطق بلسان غير لسانه.

لسنا –أيها الأخ-في سبيل الإنكار عن كل شيء يأتي من الخارج، ولا يكره إسلامنا الغرب وحضارته برمتها، بل يكره ذلك الانبهار البغيض لإنجازات وفتوحات أوربا التي تجعل المسلم فاقد الثقة بالنفس، ومفقود القوى ومسلوب الإرادة، فإن الإسلام ليحرض أتباعه على الأخذ بمحاسن الغير ويشجع بشرط أن تكون حسنة نافعة لا تعارض طبيعة الإسلام، وإن ديننا ليدعو إلى ذلك، ويحث على الاستفادة من الابداعات المفيدة حيثما كان مكانها، وأينما كان موضعها.

فيتحتم على الأمة –أيها الأخ-في سبيل الأخذ والاستفادة من الآخر التمسُّك بقيم الإسلام والاعتزاز بتراثه المشرق وثقافته الرائعة، وأن يكون الأخذ في ضوء الشريعة وأقدرها ولا تغفل عن الثقة بالذات، وتكون على حذر وحيطة من الشعارات البراقة واللافتات اللماعة التي تبهر العيون، وتحير الألباب والعقول، ولا يغيب عن بالها بأن أسلافها هم الذين قادوا الغرب في مجال الاكتشافات والإبداعات والنهوض به إلى الرقي والازدهار يوم كان يغط في سباته العميق، ويلتف برداء الخمول، ويخبط في غياهب الحياة منعزلاً عن العالم منطويا على نفسه، ويرجع كل الفضل في إنجازاته المشرقة إلى الحضارة الإسلامية التي تبناها، والثقافة الأندلسية الإسلامية التي استفاد منها، وإلى عهد الدولة العباسية وفنونها المتطورة التي تطفل عليها حتى أصبح اليوم قائداً ومطاعاً وأميرًا مسموعاً.

(محمد خالد الباندوي الندوي)

×