قصة اتهام الغلام مولاه

إن مع العسر يسرًا
2 أغسطس, 2022
الأم جوهرة الحياة
7 سبتمبر, 2022

قصة اتهام الغلام مولاه

محمد خالد الباندوي الندوي

أخي العزيز!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رباطة الجأش عند الشدائد-أيها الأخ – من الشيم المحمودة للإنسان، ومنبعها: الصدق على المواقف، واتصاف صاحبها بالحق، وثمرتها: الاستقامة والجرأة والشهامة، فإن رباطة الجأش تقوى نفس صاحبها وتمنحه قوة الثبات في المواقف الحرجة والثقة بالذات، وتجعله ثابت الجناح مطمئن الخاطر،ونجد  في كتب التاريخ والسير روائع القصص لأولى الصدق والاستقامة الذين أحرزوا قصب السبق في مضمار الحياة برباطة جأشهم، وتكشف لهم وجه الظفر والانتصار بثباتهم على مواقفهم السليمة.

فقد روى لنا التاريخ قصة رجل  ثابت الجنان رابط الجأش في مجلس الخليفة العباسي المنصور -الذي عرف بقوته وبطشه وعدائه لبني أمية -أن ذلك الرجل جمع  ودائع وأموالاً وسلاحاً لبني أمية،فأرسل إليه يطلبه، فأتي به فطلبه المنصور ذلك المال فقال: أخرج لنا ما عندك، وأحمل جميع ذلك إلى بيت المال، . فقال الرجل -بلهجة هادئة مطمئنة ملؤها الوقار وإجلال الخليفة : يا أمير المؤمنين، أأنت وارث بني أمية؟ قال: لا. قال: فوصي أنت؟ قال: لا . قال: فلم تسأل عن ذلك؟ فأطرق المنصور ساعة وقال: إن بني أمية ظلموا الناس واغتصبوا أموال المسلمين، وأنا آخذها فأردها إلى بيت المال للمسلمين. قال الرجل: يحتاج أمير المؤمنين إلى إقامة بينة شرعية يقبلها القاضي ويحكم بها على أن المال الذي لبني أمية هو الذي في يدي، وإنه هو الذي اغتصبوه من الناس؛ وأمير المؤمنين يعلم أن بني أمية كانت معهم أموال لأنفسهم غير الأموال التي اغتصبوها على ما يزعم أمير المؤمنين. فسكت المنصور ساعة ثم قال: يا ربيع، صدق الرجل مايجب لنا عليه شيء، ثم قال للرجل: ألك حاجة؟ قال: نعم. قال: ماهي؟ قال: أن تجمع بيني وبين من سعى بي إليك، فوالله ياأمير المؤمنين ما لبني أمية عندي ودائع ولا مال ولا سلاح؛ ولما حضرت بين يدي أمير المؤمنين، وعلمت ماهو عليه من العدل والإنصاف، واتباع الحق، واجتناب الباطل، أيقنت أن هذا الكلام الذي صدر مني هو أنجح وأصلح لما سألني عليه وأقرب إلى الخلاص، فقال المنصور للربيع: اجمع بينه وبين الرجل الذي اتهمه. ولما جيء بالرجل عرفه، وقال: هذا غلامي أخذ لي خمسمئة دينار وهرب، ولي عليه كتاب بها. ثم استنطق المنصور الغلام فأقر أنه غلامه وأنه أخذ المال الذي ذكره مولاه، وأبق به، وسعى بمولاه ليجري عليه أمر الله، ويسلم من الوقوع في يده! فقال: يا أمير المؤمنين قد وهبتها له لأجلك وأدفع له خمسمئة دينار أخرى لحضوره مجلس أمير المؤمنين. فاستحسن المنصور فعله، وكان في كل وقت يقول: ياربيع؛ مارأيت من حاجتي مثله.

استوحينا من هذه القصة -أيها الأخ -أن الإنسان إذا كان على الحق تواكبه  جنود الله لنصرته،وتحفه يد القدرة الإلهية وتستعضده،وتستجمع ما تكاد تتفرق من شمل عزيمته،وتخرجه من المآزق التي يفتر فيها الموت عن أنيابه،فاحرص -أيها الأخ – كل الحرص على رباطة الجأش،يستنزل لك النصر من فوق سبع سموات.

×