صقر قريش

شهر السباحة في ملكوت النور
7 أبريل, 2022
القيم الحضارية مرآة نفسية الشعوب
18 يونيو, 2022

صقر قريش

محمد خالد الباندوي الندوي

أخي العزيز!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ربما يواجه الانسان في حياته _ أيها الأخ _ أمورا صعبة لا يجد الخلاص منها، وتحوطه مشكلات تضني قوة تفكيره، وتشوس صفوة خلوته، وتحول حياته جحيما لا يطاق، وربما ييأس من حياته، وينقطع حبل رجائه.

وأما الرجل المؤمن فيزداد عند المصايب ثقة بنصر الله ورضا بقدره، ويلوذ بالصبر الذى يطارد الجزع والتسليم الذي ينفي السخط ويطلب من ربه الهدى، ويحاول اكتشاف الحق فيما عرضت له من مشكلات الحياة غير هياب ولا وجل،و يستخدم قواه العقلية والفكرية في تعرف ما حوله من المشاكل وبحث المخرج منها، وتقدير ما أحاطه من الحقائق المؤلمة، ويجنب نفسه عن الشرود وراء الأوهام وينأى بها عن مذاهب التخمينات والتخرصات، ويتخذ خطوة حاسمة لحل مشكلة أطار نومه، فهو أولا: يستخلص الحقائق، ثم يقوم بتحليلها ويرسم منهاجه لمواجهتها على بصيرة، ويجتهد في إزالة ما اكتنفها من غيوم التهويل والاشاعات الكاذبة، فيتخذ قرارا حاسما على القضاء عليها لأنه يعتقد أن للدهر أيامًا تجور وتعدل،وللناس أحوالاً بهم تتنقل.

وقد سلك أصحاب الرجولات الضخمة على هذا الدرب المستقيم فنالوا المجد والنجاح في معركة الحياة، وتقشعت عما غلبهم من سحب اليأس والقنوط، وانبلج لهم وجه الظفر والانتصار مشرقا.

وقدعرفت الخليفة الأموي عبد الرحمن الداخل الذي أطاح بعرشه سفاح بني عباس، كيف استعاد ما فاته من ملكه،واسترجع ما فقده من مجده،”خرج من بلده مطاردًا يؤم بلاد المغرب ولم يكد يتجاوز العشرين من عمره ليس لديهم من المال إلا القليل، ولا من الأنصار إلا النزر اليسير ولكن عزيمته كانت صلبة وإرادته قاهرة سهلت له العسير وقربت إليه ما كان صعب المنال وشبه المحال” وقد لقبه أبو جعفر المنصور ب”صقر قريش” لكثير حزمه ونافذ عزمه وشجاعته الباهرة، وأحله مكانًا يفوق مكان عبد الملك بن مروان ومعاوية بن أبي سفيان لأن عبد الرحمن الداخل كما وصفه هو “تخلص بعقله من سنن الأسنة وظبات السيوف، يعبر القفر، ويركب البحر، حتى دخل بلداً أعجمياً، فمصر الأمصار وجند الأجناد، وأقام ملكاً بعد انقطاعه، بحسن تدبيره وشدة عزمه، أما معاوية، فنهض بمركب حمله عليه عمر وعثمان وذلّلا صعبه، وعبد الملك ببيعةٍ تقدمت له،أما عبد الرحمن الداخل، فمنفردًا بنفسه، مؤيدًا برأيه، مستصحباً لعزمه”.

فإذا دهمتك – أيها الأخ – خواطر السوء ووساوس الضعف وإذا ابتليت بالأوهام والظنون فاعرف الحقائق المتصلة بك واسبر غورها بدون دهشة أو وجل واستعن بالله، وثق بأنه يحب منك الجلد على المصايب والمضاء عند الشدائد، لأنه يكره الجبناء ويكفل المتوكلين، وكن ماضيًا في قهر علل القعود والخوف سيتضح لك كل شيء وتصرف بحزم وقوة يلح لك وجه المجد والنجاح.

×