رَفْعُ الْعِلْمِ

الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ
13 سبتمبر, 2020
مَنْ لَقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِهِمَا غَيْرَ شَاكٍّ دَخَلَ الْجَنَّةَ
21 أكتوبر, 2020

رَفْعُ الْعِلْمِ

عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ذَاتَ يَوْمٍ، فَنَظَرَ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: ” هَذَا أَوَانُ الْعِلْمِ أَنْ يُرْفَعَ “، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ : أَيُرْفَعُ الْعِلْمُ يَا رَسُولَ اللهِ وَفِينَا كِتَابُ اللهِ، وَقَدْ عَلَّمْنَاهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّكَ مِنْ أَفْقَهِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ “، ثُمَّ ذَكَرَ ضَلَالَةَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا مَا عِنْدَهُمَا مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَقِيَ جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ بِالْمُصَلَّى، فَحَدَّثَهُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ فَقَالَ: صَدَقَ عَوْفٌ، ثُمَّ قَالَ: ” وَهَلْ تَدْرِي مَا رَفْعُ الْعِلْمِ؟ ” قَالَ: قُلْتُ: لَا أَدْرِي. قَالَ: ” ذَهَابُ أَوْعِيَتِهِ “. قَالَ: ” وَهَلْ تَدْرِي أَيُّ الْعِلْمِ أَوَّلُ أَنْ يُرْفَعَ؟ ” قَالَ: قُلْتُ: لَا أَدْرِي. قَالَ: ” الْخُشُوعُ، حَتَّى لَا تَكَادُ تَرَى خَاشِعًا.

تخريج الحديث: أخرجه أحمد في مسنده برقم:  (23990) وأبو نعيم في “الحلية” 5/138 و247، وابن عبد البر في “جامع بيان العلم وفضله” 1/152 ، والنسائي في “الكبرى” (5909) ، والبزار في “مسنده” (2741) ، وابن حبان (4572) ، والطبراني في “الكبير” 18/ (75)

شرح الحديث: إن هذه النبوءة النبوية قد صدقت و تحققت و بدأ العلم الحقيقي يتقلص و يرتفع من الدنيا بذهاب العلماء الربانيين و أهل التقوى و الخشوع، و بقي العلم في المصاحف و الأسفار أو على اللسان. و دل هذا الحديث على أن حفظ رسوم العلم ليس من العلم في شيء، و إنما العلم هو ما يرقق القلب و يبعث النفس على الطاعة و ينشئ في الفؤاد معاني الخشية و الخشوع و الإنابة و الإخبات و الورع و الذكر و الاتصال بالله سبحانه و تعالى فعلينا نحن طلاب العلم أن نحرص على هذه الصفات و الأخلاق و نبتعد مما وقع فيه أهل الكتابين من الشبهات و الشهوات و التحريف و الاعتداء و الوقوع في الأهواء. و قد وضع الإمام  أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجُرِّيُّ البغدادي المتوفى: 360هـ رحمه الله كتابا سماه أخلاق العلماء يقول فيه (ص: 66) :

“فَمِنْ صِفَتِهِ (أي: العالم العارف) أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ شَاكِرًا , وَلَهُ ذَاكِرًا , دَائِمَ الذِّكْرِ … , يَعُدُّ نَفْسَهُ مَعَ شِدَّةِ اجْتِهَادِهِ خَاطِئًا مُذْنِبًا … مُسْتَغْنٍ بِاللَّهِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ , وَمُفْتَقِرٌ إِلَى اللَّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ , أُنْسُهُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ , وحشته مِمَّنْ يَشْغَلُهُ عَنْ رَبِّهِ , إِنِ ازْدَادَ عِلْمًا خَافَ تَوْكِيدَ الْحُجَّةِ , مُشْفِقٌ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ , هَمُّهُ فِي تِلَاوَةِ كَلَامِ اللَّهِ الْفَهْمُ عَنْ مَوْلَاهُ , وَفِي سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِقْهُ , لِئَلَّا يُضَيِّعَ مَا أُمِرَ بِهِ , مُتَأَدِّبٌ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ , لَا يُنَافِسُ أَهْلَ الدُّنْيَا فِي عِزِّهَا , وَلَا يَجْزَعُ مِنْ ذُلِّهَا , يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا بِالسَّكِينَةِ , وَالْوَقَارِ , وَمُشْتَغِلٌ قَلْبُهُ بِالْفَهْمِ وَالِاعْتِبَارِ … يَذْكُرُ اللَّهَ مَعَ الذَّاكِرِينَ  وَيَعْتَبِرُ بِلِسَانِ الْغَافِلِينَ , عَالِمٌ بِدَاءِ نَفْسِهِ , وَمُتَّهِمٌ لَهَا فِي كُلِّ حَالٍ … وَشُغْلُهُ بِاللَّهِ فِي جَمِيعِ سَعْيِهِ مُتَّصِلٌ , وَعَنْ غَيْرِهِ مُنْفَصِلٌ.” انتهى بحذف يسير.

(عبد الرشيد الندوي)

×