إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ

ابْتَاعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
21 مارس, 2020
شهر رمضان شهر الاشتغال بالقرآن
9 يونيو, 2020

إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ

عن عَبْد الْمُطَّلِبِ بْن رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، رضي الله عنهما قَالَ: اجْتَمَعَ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَا: وَاللهِ، لَوْ بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ – قَالَا لِي وَلِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ – إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَاهُ، فَأَمَّرَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ، فَأَدَّيَا مَا يُؤَدِّي النَّاسُ، وَأَصَابَا مِمَّا يُصِيبُ النَّاسُ، قَالَ فَبَيْنَمَا هُمَا فِي ذَلِكَ جَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا، فَذَكَرَا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَا تَفْعَلَا، فَوَاللهِ، مَا هُوَ بِفَاعِلٍ، فَانْتَحَاهُ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَ: وَاللهِ، مَا تَصْنَعُ هَذَا إِلَّا نَفَاسَةً مِنْكَ عَلَيْنَا، فَوَاللهِ، لَقَدْ نِلْتَ صِهْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا نَفِسْنَاهُ عَلَيْكَ، قَالَ عَلِيٌّ: أَرْسِلُوهُمَا، فَانْطَلَقَا، وَاضْطَجَعَ عَلِيٌّ، قَالَ: فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ سَبَقْنَاهُ إِلَى الْحُجْرَةِ، فَقُمْنَا عِنْدَهَا، حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِآذَانِنَا، ثُمَّ قَالَ: “أَخْرِجَا مَا تُصَرِّرَانِ” ثُمَّ دَخَلَ وَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، قَالَ: فَتَوَاكَلْنَا الْكَلَامَ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَحَدُنَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ وَأَوْصَلُ النَّاسِ، وَقَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ، فَجِئْنَا لِتُؤَمِّرَنَا عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ، فَنُؤَدِّيَ إِلَيْكَ كَمَا يُؤَدِّي النَّاسُ، وَنُصِيبَ كَمَا يُصِيبُونَ، قَالَ: فَسَكَتَ طَوِيلًا حَتَّى أَرَدْنَا أَنْ نُكَلِّمَهُ، قَالَ: وَجَعَلَتْ زَيْنَبُ تُلْمِعُ عَلَيْنَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ أَنْ لَا تُكَلِّمَاهُ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: “إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، ادْعُوَا لِي مَحْمِيَةَ  وَكَانَ عَلَى الْخُمُسِ  وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ” قَالَ: فَجَاءَاهُ، فَقَالَ لِمَحْمِيَةَ: “أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَكَ” لِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ فَأَنْكَحَهُ، وَقَالَ لِنَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ: “أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَكَ” لِي فَأَنْكَحَنِي وَقَالَ لِمَحْمِيَةَ: “أَصْدِقْ عَنْهُمَا مِنَ الْخُمُسِ كَذَا، وَكَذَا.

تخريج الحديث: أخرجه مسلم برقم: (1072) وأبو داود في سننه برقم (2985) وابن حبان في صحيحه برقم:  (4526) وابن خزيمة في صحيحه برقم: (2342) والطبراني في المعجم الكبير 5/54 برقم: (4566)

شرح الغريب: قوله: فانتحاه ربيعَة: أَي قَصده وَاعْترض عَلَيْهِ فِي كَلَامه. وَقَوله: نفاسة مِنْك: أَي حسدا وكراهية للمشاركة فِي الْمنزلَة. وَقَوله: ” أخرجَا مَا تصرران ” أَي مَا تكتمان فِي صدوركما، وكل شَيْء جمعته فقد صررته. قَوْله: فتواكلنا الْكَلَام: أَي كل منا قد وكل الْكَلَام إِلَى صَاحبه يُرِيد من صَاحبه أَن يَبْتَدِئ هُوَ بالْكلَام لموْضِع الْحيَاء. وَقَوله: تلمع إِلَيْنَا: أَي تُشِير. (كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي:4/179)

شرح الحديث: إن في الحديث صورا رائعة حية لما كان عليه نبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم مع أسرته وذوي قرباه من اللطف والود والكرم والصلة والبر، وكرمُه هو الذي أطمع عمَّه العباس وابنَ عمه ربيعة بن الحارث رضي الله تعالى عنهما أن يبعثا إليه ولديهما الشابين اليافعين لكي يطلبا إليه أن يجعلهما  من السعاة على جمع الصدقات، حتى يتيسر لهما المكسب.

وفيه ندب المشورة على ذوي الأرحام وردعهم عما لا ينبغي كما فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ فقد عرف من طبيعة النبي صلى الله عليه وسلم النزيهة العفة أنه لا يحب لآله وأسرته أن يأكلوا من الصدقة، وهذا فيه درس الابتعاد من الشبهة، والسمو بالنفس من الانتفاع والاستغلال من أموال الشعب، وفيه اختيار الوقت والمكان للكلام مع الكبير، وحسن التمهيد له، والاستيناس منه قبل عرض الطلب، ومراعاة الأدب، والتزام الحياء والحشمة فيه، كما فعل عبد المطلب والفضل مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حيث اختارا الوقت بعد صلاة الظهر، ثم قاما على باب حجرته ينتظرانه، ثم استحيا من بدء كلامه، ثم مهدا بوصفه صلى الله عليه وسلم بأنه أبر الناس، وأوصلهم للرحم، وأبذلهم للمعروف، وأحسنهم إلى الناس. وفي أخذه صلى الله تعالى عليه وسلم بآذانهما، وقوله لهما: “أخرجا ما تصرران” من لطف الفكاهة وحسن المزاح وروعة الإيناس ما لا يخفى حسنه.

(عبد الرشيد الندوي)

×