تضحية الصحابة رضي الله عنهم

درس من السنة
19 ديسمبر, 2019
رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ
27 يناير, 2020

تضحية الصحابة رضي الله عنهم

عن يزيد التيمي قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَوْ أَدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلْتُ مَعَهُ وَأَبْلَيْتُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنْتَ كُنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ، وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟»، فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، فَقَالَ: «قُمْ يَا حُذَيْفَةُ، فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ»، فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ، قَالَ: «اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ، وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ»، فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ، فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ، فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِي كَبِدِ الْقَوْسِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ»، وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِي فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ، وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ، فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا، فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ: قُمْ يَا نَوْمَانُ.

تخريج الحديث: أخرجه مسلم (1788) واللفظ له وأحمد برقم: (23334) وابن حبان في صحيحه برقم: (7125) ومحمد بن نصرالمروزي في تعظيم قدر الصلاة برقم:(215)

شرح الحديث: إن هذه القصة تبين لنا غيضا من فيض من تضحيات صحابة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ومما كانوا يعانونه في سبيل الله سبحانه وتعالى لإعلاء كلمته ونصرة دينه ورفع راية الإسلام في العالم، ويصور لنا عاطفة الامتثال والوفاء والفداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشير إلى الذكاء والكيس والتيقظ والتشمير والسعي والنشاط والجرأة والإقدام على الأخطار، وما إليها من صفات الفتح والنصر، وشرائط الانتصار والغلبة التي كانوا يتمتعون بها كذلك، وتوضح لنا أن الله سبحانه وتعالى ينصر من تقدم وغامر وخاطر في سبيل دينه؛ فانظروا كيف نصر الله حذيفة بن اليمان حين استعد للمجيء بأخبار المشركين والقيام بمهمة رشحه النبي صلى الله عليه وسلم لها في ليلة ذات برد شديد وقر قارس وريح عاصفة، وفي حالة جوع ومخمصة، وما إن قام إلا وذهب ذلك البرد والخوف والجوع، وأبدله تعالى بها دفئا وأمنا وقوة وهمة، وتمثل لنا هذه القصة شفقة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على الصحابة ورفقه بهم؛ فانظروا كيف ألقى على حذيفة من ثوبه ليدفئه ويريحه مما أصابه من البرد والتعب، وفي مبدأ القصة درس وعبرة لنا أن لا نسيء الظن بسلفنا أنهم فرطوا فيما يجب عليهم وقصروا، وأنهم أحرزوا الفضائل مجانا من غير أن يدفعوا لها أي ثمن، وأننا خير منهم وأكثر علما وعملا وتضحية وجهادا.

عبد الرشيد الندوي

×