مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ

سمو الهمة
16 فبراير, 2020
ابْتَاعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
21 مارس, 2020

مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ

عن جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ، رضي الله تعالى عنه يَقُولُ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ – قَالَ: يَرَوْنَ أَنَّهَا غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ – فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ،وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ،فَسَمِعَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ” مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ” فَقِيلَ: رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَسَعَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ “.

تخريج الحديث: أخرجه البخاري (4905) و(4907)، ومسلم (2584) (63)، والترمذي (3315)، وأحمد (15223) وابن حبان (5990)

شرح الحديث: كان أهل الجاهلية يتناصرون، ويتعاضدون، ويتداعون، على أساس القبائل والعشائر، فإذا دعا الرجل قومه، قاموا بنصره على عدوه، من غير أن يميزوا بين الظالم والمظلوم، فلما جاء الإسلام أبطل هذه العادة المنتنة الخبيثة البغيضة، واستأصل شأفتها، وأمر بنصر المظلوم، والأخذ على يد الظالم أيّا من كان، وجعل المسلمين إخوة، مهما اختلفت أنسابهم وأحسابهم، وتعددت أجناسهم وأوطانهم، وتميزت ألوانهم وألسنتهم، وتفرقت أعرافهم وأوضاعهم. فلا ينبغي للمسلم أن يفتخر إلا بالإسلام، ولا يهتف إلا بالحق، ولا يدعو إلا إلى الحق، وكلما كان الاعتزاز بالإسلام أرسخ وأعرق، والانتماء إليه أقوى وأثبت، وتضاءلت الانتماءات الأخرى، وتلاشت المعايير المصطنعة، وتنوسي الاعتزاز بالقبيلة والجماعة، أو المدرسة والمذهب، أو البلدة والقرية، أو غيرها من الأسس والمنطلقات التي يمكن بها التمايز والتفاضل، كان المسلمون أقرب إلى روح الإسلام، وأحب إلى الله، وأقوى قوة وشكيمة، وأكثر ثباتا وصمودا في وجه العدو، وأشد هيبة ورعبا في قلوبهم، والعكس بالعكس، فما بالنا اليوم! صرنا أحرصَ على الانتماءات والانتسابات. قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى وهو يعدد التحذيرات النبوية في باب الألفاظ في كتابه القيم زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 431):

“وَمِنْهَا: الدُّعَاءُ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، وَالتَّعَزِّي بِعَزَائِهِمْ، كَالدُّعَاءِ إِلَى الْقَبَائِلِ وَالْعَصَبِيَّةِ لَهَا وَلِلْأَنْسَابِ، وَمِثْلُهُ التَّعَصُّبُ لِلْمَذَاهِبِ، وَالطَّرَائِقِ، وَالْمَشَايِخِ، وَتَفْضِيلُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بِالْهَوَى وَالْعَصَبِيَّةِ، وَكَوْنه مُنْتَسِبًا إِلَيْهِ، فَيَدْعُو إِلَى ذَلِكَ، وَيُوَالِي عَلَيْهِ، وَيُعَادِي عَلَيْهِ، وَيَزِنُ النَّاسَ بِهِ، كُلُّ هَذَا مِنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ” اهـ أعاذنا الله من ذلك بفضله، آمين يا رب العالمين، ولك الحمد والثناء، والصلاة والسلام على رسولك وحبيبك محمد، وآله، وأزواجه، وأصحابه أجمعين.

×