بروز قوة جديدة ما بعد كورونا وفرصة للدعاة إلى الإسلام

هل يعود العالم إلى ما كان عليه قبل الحضارة؟!
13 أبريل, 2020
المساواة ومكافحة العنصرية بين الدعاية والواقع
28 يونيو, 2020

بروز قوة جديدة ما بعد كورونا وفرصة للدعاة إلى الإسلام

يشهد العالم في مختلف أنحائه أسوأ كارثة إنسانية بسبب فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) وتأليف مجالس ومراكز للبحث عن التخلُّص مما تسبِّبُه جائحةُ كورونا المستجد من خسائر جسيمة في الأوراح والممتلكمات،أو للشروع في عمل مشترك، أو لتنسيق مجهودات مختلفة لمكافحة وباء كورونا، وتجري المحاولات للبحث عن علاج ولقاح مضمون،وتتفاقم آثار هذا الفيروس الفتاك السلبية بشكل يجعل العقل البشري غير قادر على إحصائها، وقد غيَّرت هذه الجائحة الكثير من قيم الحياة ومثلها،وآداب المعاشرة والتعامل، فيفرُّ الناس من المصافحة،واحتضان من يحبون،والمجالسة،حتى مع الأقارب والأصدقاء،ولا يستطيعون التنُّقل والسفر، ويضطرون إلى التباعد الاجتماعي، وتغطية الوجوه بقماش أو ورق، أوكمامة أو أقنعة طبية، والعزلة والبقاء في المنازل، حتى الصلاة في البيوت وبمفردهم، ويتوحش الناس من الأجانب؛ يتباعدون ولا يتقاربون، ويعتبرون كل مصاب بالحمى أوالزكام أو السعال إرهابياً يجب اعتقاله أو قتله،مع أنه يُذْكَر من محاسن النظام العالمي الجديد أن قد تقلصت المسافات، وارتفعت الحواجز، وأصبح العالم كله قرية واحدة،يعيش فيها الإنسان المعاصر متعاونًا فيما بينهم ومتعاطفًا، ولكن قضت جائحة كورونا على القيم الإنسانية وروح التسامح والتعايش في سائر مجالات الحياة،فقد أصبح الوضع الذي نعيشه، وضع اختلال الموازين، والاضطراب في الفكر والعمل ومناهج الحياة، رغم دعوى المفكرين من دعاة الحضارة المعاصرة التي مصدرها الغرب، أن هذا العصر، هو عصر الالتقاء والتعايش، بل وصف بعضهم الإنسانية المعاصرة بأنها قرية باعتبار أن القرية فيها الهدوء، والتضامن، لأن سكان القرية ينتمون إلى أصول مشتركة ومصالح مشتركة، فيهم تعاون وترابط، ولكن قد تلاشت هذه القيم والمصالح المشتركة،وحل محلها العداءُ والتمييز العنصري، وأحدث دليل على ذلك ما يعانيه المسلمون في الهند.

وقد بدت أزمة الجائحة كاختبار للفلسفات المعاصرة والسائدة، بينما تعيش المجتمعات التي اجتاحها كورونا حالة من الصدمة والذعر من أن يقضي الفيروس على شعوبها،فكم تكلف الأرواحَ والأموالَ والحريات قبل أن يخرج العالم من هذه الكارثة.

كان العالم بتأثير الغرب قد قبل بعض النظريات كحقائق، وآمن بأن ما يأتي من الغرب، هو صوت الحق والعدالة، والتقدُّم، وأنه في مصلحة الإنسانية، ولكن الحقائق بدأت الآن تنكشف، وبدأ العالم يشعر أن الشمس لا تشرق من الغرب.

واجه النظام الاشتراكي مصيره، لأنه كان عدواً  لدوداً للدين بصفة عامة، والإسلام بصفة خاصة، وكان قد شنّ حرباً شعواء على الدين من أول يومه، وكان يعتبر الدين أول أعدائه، فثبت فشله في مدة قصيرة، وسيسقط النظام الأوربي الآخر الذي حارب الإسلام علميًا وفكريًا، وإن كان يبدي تسامحاً في الظاهر، لكنه يتآمر ضد الإسلام والمسلمين، ويقوم بتشويه الحقائق،و بدأ الصراع للثورة على هذا النظام،لأنه أصيب بجميع الأدواء التي كانت تتهم بها النظم الأخرى، من الاستغلال، والتخلُّف، والجمود، والتحجُّر، والاستبداد الفردي، وقمع الحرية، والظلم، والفساد، والصراع الطبقي.

وأما الفلسفات المعاصرة والنظم العالمية والقوى العالمية فقد فشلت في مكافحة انتشار وباء كورونا، وعجزت عن التغلُّب عليه حتى أن القوة العالمية أمريكا باتت مهددة بالانفكاك والانهيار اقتصاديًا وسياسيًا، إنها تعاني الأمرَّين هذه الأيام –كما أشار إلى ذلك الدكتور كمال المصري-

“من جهة من حيث عدد المصابين بكورونا،ومن جهة أخرى انهيار أسعار النفط عالميًّا والنفط الخام في الولايات المتحدة بشكل خاص. كما أن أوروبا غدت في حال لا تُحسد عليه جراء كورونا وانشقاقات اتحادها،يضاف إلى ما سبق تأثيرات جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي؛ حيث خسرت الأسواق العالمية 20 بالمائة من قيمتها، وانخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر 5 بالمائة وهو أدنى مستوى منذ الأزمة المالية عام 2008م، وقُدِّرت خسائر قطاعات السياحة والسفر بأكثر من 120 مليار دولار، إضافة إلى ما يراه المختصون من أن نمو الناتج الإجمالي العالمي سينخفض إلى الصفر المئوي، وهذا أسوأ سيناريو تمر به البشرية منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي.

هذه كلها سيكون لها تداعياتها الوخيمة على الدول الكبرى في العالم كالولايات المتحدة وبعض دول أوروبا؛ خصوصاً مع تعالي أصوات بضرورة فكّ الارتباط مع الدولار الأمريكي الذي هيمن على سوق العملات منذ عام 1944م؛ فهل نشهد أفول أقطاب وظهور أقطاب جديدة، وهل تنتهي سيطرة ٧٦ عاما للدولار على عملات العالم؟ فهل غيَّرت جائحة فيروس كورونا المستجد العالم؟ وهل سيأخذ الفيروس معه حين رحيله دولاً عظمى وكيانات تاريخية؟ هذا ما ستكشفه الأيام”.

وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” في افتتاحيتها (12/4/2020م): “إن حجم الضرر الاقتصادي الذي لحق بالولايات المتحدة الأميركية خلال الأسابيع الأخيرة جراء تفشي وباء كورونا مذهل، وإن موجة البطالة التي شهدتها البلاد خلال الأسابيع القليلة الماضية لم يسبق لها مثيل في تاريخ أميركا الحديث”.

ورأى وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في مقال له بصحيفة “وول ستريت جورنال” (نشرت ترجمته العربية الجزيرة.نت: في 4/4/202م) أن جائحة كورونا ستغيّر النظام العالمي للأبد،وأوضح كيسنجر أن الأضرار التي ألحقها تفشي فيروس كورونا المستجد بالصحة قد تكون مؤقتة، إلا أن الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي أطلقها قد تستمر لأجيال عديدة.

وقال إن الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم الآن بسبب الوباء الفتاك، أعادت إلى ذهنه المشاعر التي انتابته عندما كان جنديا في فرقة المشاة خلال مشاركته في الحرب العالمية الثانية أواخر عام 1944، حيث يسود الآن الشعور نفسه بالخطر الوشيك الذي لا يستهدف أي شخص بعينه، وإنما يستهدف الكل بشكل عشوائي ومدمر.

وأشار كيسنجر إلى أن قادة العالم يتعاطون مع الأزمة الناجمة عن الوباء على أساس وطني بحت، إلا أن تداعيات التفكك الاجتماعي المترتب على تفشي الفيروس لا تعترف بالحدود.

وختم كيسنجر بيانه بالقول إن التحدي التاريخي الذي يواجه قادة العالم في الوقت الراهن هو إدارة الأزمة وبناء المستقبل في آن واحد، وإن الفشل في هذا التحدي قد يؤدي إلى إشعال العالم”.

وتوقع الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك أن تجلب الطوارئ معها حالة استبدادية جديدة، حتى وإن عزّزت الروابط المجتمعية، بحسب تعبيره.

وعبر جيجيك عن اعتقاده بأن هذه الأزمة ستعطي معنى جديدًا للمجتمع، وسينبت منها فكر شيوعي جديد بعيد كل البعد عن تلك الشيوعية التاريخية، وفق ما ذكر في حوار مع الصحفية الإيطالية آنا لومباردي من صحيفة “لاريبوبليكا”.

وأفاد جيجيك بأننا نعيش جميعا بطريقة لم نتوقعها مطلقًا قبل بضعة أشهر مضت، وتابع “هناك من الحكومات من تفكر في الاستفادة من الأزمة الصحية لتتمكن من السيطرة على عالم ما بعد الوباء، وهو أمر محتمل حقا”.

يتضح من هذه التصريحات والتقارير أن النظم العالمية والفلسفات المعاصرة والسائدة قد فشلت في مكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد، ولم تعد قادرة على مقاومة آثاره السلبية، فانكشف للعالم أن هذه الفلسفات والنظم ليست إلا ستاراً للاستعمار، وغزو العالم، وإن الفلسفات لا تعيش طويلاً، إذا لم تحقق أهدافها، ولا ينتظر الإنسان  السعادة طويلاً، فإنه كما وصف القرآن الكريم: “وكان الإنسان عجولاً”.

وإن مشاكل العالم ترجع أصلاً إلى حشد القوة في العالم في أيدي الدول الأوربية الاستعمارية التي تعمل حسب المصالح الأوربية القومية الطبقية والمسيحية المتعصبة، أو تخدم مصالح اليهود، وتجتمع على محاربة الأمم الأخرى المستضعفة، وقد سقط الاتحاد السوفيتي وسقط النظام الشيوعي الغاشم الذي استعمر العالم واستصغر الشعوب، فلابد أن تسقط النظم الاستبدادية الأخرى التي تستعبد الشعوب، وتفرض سيادتها عليها، وتظهر قوة جديدة كما تشير تقارير حرة إلى بروز الصين كقوة عالمية جديدة، رغم معاناتها،يقول الكاتب الأردني محمد سالم في مقال له نشرته الجزيرة نت في 26/3/2020م بعنوان “الصين ونظام عالمي جديد ما بعد كورونا”.

” يشهد العالم أسوأ الأزمات الصحية في القرن الحادي والعشرين، مما فرض على الدول أن تغلق حدودها، وبالتالي أنهى مؤقتًا مفهوم القرية العالمية، في حين أن ارتدادات فيروس كورونا لن تتوقف في حدودها الصحية وما ألحقته بالاقتصاد العالمي من خسائر فادحة، بل إننا على وشك أن نشهد ولادة نظام عالمي جديد قد يُرجع أمريكا إلى الخلف ويتوج الصين سيدة جديدة على العالم”.

وقد أتيحت للدعاة إلى الإسلام فرصة جديدة للتجربة في هذه الأرض التي تعست كثيراً،وعاشت في جحيم الاشتراكية،والرأسمالية، والنظام العالمي الجديد،والعولمة، والليبرالية، وخسرت كثيراً، وهي في انتظار فلسفة جديدة ومنهج جديد لحل مشاكلها بصورة حقيقية، وإذا تأخر المسلمون في انتهاز هذه الفرصة فإن هناك خطراً يهدد الإنسانية، وينذر بوقوع مآسي ومشاكل سيتجرع مرارتها المسلمون، ويدل على ذلك وضع المسلمين في الهند.

لقد ارتفعت حجب كثيرة عن الإسلام، وارتفعت شبهات كثيرة كان قد بثّها المشككون، فقد أقيمت مراكز إسلامية لعرض الإسلام في كثير من أجزاء العالم، وأنشئت هيئات إعلامية ومؤسسات اقتصادية، ومراكز العلم والتربية الإسلامية،وهي إذا سارت بحسن نية، ووحدة وانسجام، يتعاون بعضها مع بعض، بدون عصبية وتحيُّز، معتزة بالانتماء الكامل إلى الإسلام، ومتمسكة بحبل الأمة الإسلامية الواحدة، وخاصة إذا كانت تعاليم الإسلام مطبقة في الحياة الفردية والاجتماعية بمعنى الكلمة، وعولجت بها المشاكل بشكل طوعي، فإنها ستثبت في وقت قصير أن الإسلام هو البديل والحلّ، وأن الإسلام صالح للبقاء، وأنه هو الدين الخالد،،وهو الدين الوحيد المقبول عند الله:إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإْسْلاَمُ”، “وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ” والإسلام هو النظام العادل الصالح للقيادة والسيادة، فلا يحتمل أن يمزج به نظام أو فلسفة كما لا يجتمع  نور وظلام وبياض وغير بياض، فالنور نور، والظلام ظلام، والنور وحدة، والظلام تفرُّق، وتمزُّق، وتخبُّط، وقد أوضح الله تعالى ذلك بقوله: “قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” ويقول:”وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ” .

مدير التحرير (محمد وثيق الندوي)

×