من وحي ما جرى أخيرًا بين إسرائيل وأهل غزة

المحن والشدائد تختبر المعدن
27 مايو, 2021
ما أشبه الليلة بالبارحة!
26 يوليو, 2021

من وحي ما جرى أخيرًا بين إسرائيل وأهل غزة

أحبطت المقاومة الفلسطينية الباسلة الهجمات الشرسة التي شنَّتها إسرائيل على أهل غزة والفلسطينيين، وقد استخدمت إسرائيل وهي أقوى القوى العالمية ذات الترسانة النووية والأسلحة الفتاكة المتطورة،قنابل وصواريخ من أحدث طراز متطور ضد الفلسطينيين العزل، ولكن خيَّبت المقاومة الفلسطينية الغارات الإسرائلية، حتى اضطرت إسرائيل لقبول الهدنة ووقف إطلاق النار، مما يدل على غلبة الفلسطينيين العزل، وكونهم على الحق، وهزيمة إسرائيل المزودة بأقوى الأسلحة وأحدثها، وكونها على الباطل .

تقول الصحيفة “هآرتس” العبرية في افتتاحيتها: ” إننا نتعرض لحرب لسنا من نديرها، وبالتأكيد لسنا من ينهيها، خاصة أن المدن العربية في إسرائيل فاجأت الجميع بهذه الثورة العارمة ضدنا، بعد أن كنا نظن أنهم فقدوا بوصلتهم الفلسطينية، إنهم فعلاً أصحاب الأرض، ومن غير أصحاب الأرض يدافع عنها بنفسه وماله وأولاده بهذه الشراسة، وهذا الكبرياء والتحدي.. وأنا كيهودي أتحدى أن تأتي دولة إسرائيل كلها بهذا الانتماء، وهذا التمسك والتجذر بالأرض، بعد أن أذقناهم ويلاتنا من قتل وسجن وحصار وفصل، وأغرقناهم بالمخدرات، وغزونا أفكارهم بخزعبلات تبعدهم عن دينهم كالتحرُّر والإلحاد والشك.. لكن الغريب في الأمر أن يكون أحدهم مدمن مخدرات، ويهب دفاعًا عن أرضه وأقصاه، وكأنه شيخ بعمامة وصوته يصهل الله أكبر”. وتضيف الصحيفة: “جيوش دول بكامل عتادها لم تجرؤ على ما فعلته المقاومة الفلسطينية في أيام معدودات، فقد سقط القناع عن الجندي الإسرائيلي الذي لا يقهر، وأصبح يقتل ويخطف” .

وتابعت الصحيفة: “وطالما أن تل أبيب ذاقت صواريخ المقاومة، فمن الأفضل أن نتخلى عن حلمنا الزائف بإسرائيل الكبرى، ويجب أن تكون للفلسطيني دولة جارة تسالمنا ونسالمها، وهذا فقط يطيل عمر بقائنا على هذه الأرض بضع سنين، وأعتقد أنه لو بعد ألف عام، هذا إن استطعنا أن نستمر لعشر أعوام مقبلة، كدولة يهودية فلا بد أن يأتي يوم ندفع فيه كل الفاتورة، فالفلسطيني سيبعث من جديد، ومن جديد، وسيأتي مرة راكبًا فرسه متجهًا نحو تل أبيب”.(ترجمة علي الصالح في “القدس العربي”، 28/مايو 2021م)

فإن الشعب الفلسطيني الباسل الغيور قد خيَّب الحلم الإسرائلي لدولة إسرائيل الكبرى،بإرادته القوية، وصموده الباسل، ومثابرته القوية، ومقاومته الجريئة، واستلفتت الأنظار إليه رغم أن الدول العربية لم تسانده، وفرض قضيته على الصحافة العالمية،والإعلام العالمي مثل “بي بي سي” و”سي أن ان”  و”فوكس نيوز اليمينية” ومنابر إعلامية أخرى دولية، وكسبت التأييد الدولي، فقامت المظاهرات العارمة والاحتجاجات الحاشدة في مختلف أنحاء العالم حتى في الدول الأوربية والغربية دعمًا لحق الفلسطينيين وضد عدوان إسرائيل.

فالشعب الفلسطيني مرهف الحس،فشعر بالخطر، فانتفض في المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وباب العمود وحي سلوان في القدس، ووصل صدى انتفاضته إلى الضفة الغربية، فتحركت بكل وسائل المقاومة المتاحة لديها.

وأما استخدام أهل غزة الصواريخ والأسلحة، فهم على الحق، لأن التجارب السابقة أثبتت أن إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة والعدوان، فوصلت صواريخ المقاومة إلى جميع المدن المحتلة، وفرضت ما يسمى بـ”توازن الرعب”، وإن كانت الخسائر التي حدثت في أرواح وممتلكات الفلسطينيين أكثر مما تعرضت له إسرائيل من خسائر في الأرواح والممتلكات .

لقد أفشلت صواريخ غزة-كما كتب علي الصالح أحد الكتاب في جريدة “القدس”-كل السياسات السابقة، ولم يعد هناك مكان للمقاومة السلبية، ولم تعد تكفي بيانات الرفض لخطوات الاحتلال الاستيطانية والتهويدية وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني، ولم يعد هناك مجال للقبول بالوضع القائم ولا السياسات السابقة والحالية، والمؤسسات الدولية لم تعد تجدي نفعًا أمام التغول اليميني الفاشي.

وأما وقف الحرب، فعلى الشعب الفلسطيني أن لا ينخدع بهذه الهدنة، لأن  المعركة الدامية بين الشعب الفلسطيني والعدو الصهيوني وضعت أوزارها، لا لتنتهي المواجهة المسلحة – كما أشار إلى ذلك الكاتب يحي مصطفى كامل-، ” بل ليلتقط ذلك العدو أنفاسه ويلعق جراحه، ثم اتساقاً مع ما عُرف عنه من طول البال والنفس، يعيد مفكروه وسياسيوه ومجتمعه الأمني والاستخباراتي حساباتهم وتقييماتهم للوضع، في إطار ما أسفرت عنه المعارك من المفاجآت غير السارة في المجمل، ثم سيعيدون الكرة والمحاولة عقب تعديلاتٍ في التكتيك، وخطواتٍ يحسبونها قادرةً على تغيير النتائج” .

فالأهم أن يكون الشعب الفلسطيني على حذر دائمًا، وأن لا ينخدع بالمعاهدات السلمية أو المساعي الدبلوماسية، والوسائط الماكرة، لأن تاريخ إسرائيل مملوء بالخداع والمكر، والدجل والغش،وخرق المواثيق الدولية، ومخالفة القوانين العالمية، من وعد بالفور إلى صفقة القرن، ولا يثق بالقوى العالمية المنحازة إلى إسرائيل، ولا يعتمد على الدول العربية المهزومة المملوءة بالشروخ،لأن قوادها ورؤساءها لا يرون إلا مصلحتهم في عدم إغضاب القوى الغربية، وهم يخدمون العدو الصهيوني بسياساتهم الفاشلة،ومواقفهم الهشة، ومصالحهم الشخصية، وكذلك عليه أن لا يعتمد على قوته الحربية فحسب، بل يتزود بزاد التقوى وهو أقوى العدة والعتاد،وأفضل المكيدة، ويعتمد على العمل والكفاح، وقوة الإيمان، ولا ينخدع بالقيادات الراعنة التي أوقعته في مأزق الذل والنكبة،ويوحد صفوفه وطوائفه وفصائله تحت راية الإٍسلام، لأن الوحدة هي الركيزة الأولى للانتصار والغلبة.

فالصلة المخلصة القوية بالدين، وحياة التقوى، والوحدة، هي الركائز الأساسية للغلبة والانتصار، واسترداد ما احتله العدو الصهيوني في فلسطين.

والمطلوب منا نحن المسلمين جميعًا أن نقوي صلتنا بدين الإسلام الذي حمَّلنا الله أمانته، وبالكتاب الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله كدستور إلهي دائم، ونظام عالمي جامع لسائر شعب الحياة الإنسانية إلى يوم القيامة، ونحارب الفساد الذي ساد فينا إيمانًا وعقيدة، خلقًا وسلوكًا، وننفض عنا الغبار الذي طرأ علينا من الخارج، ونلتزم بالأصالة والجد والصرامة.

محمد وثيق الندوي (مدير التحرير)

×