إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن برأي نصيح أو نصيحة حازم

شعائر الله تعالى وتعظيمها
9 يناير, 2021
الشيخ عبد السلام الندوي: حياته وأعماله الأكاديمية
9 يناير, 2021

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن برأي نصيح أو نصيحة حازم

إن المشورة لها أهمية كبيرة في حياة الإنسان وهو مصباح ينير الطريق المظلمة، ويهدي إلى الصراط المستقيم، ويرشد الإنسان إلى ما هو أنفع له وأرشد في الأمور، وإلى ما هو حل أنسب وتدبير أحسن، ولا يكلفه عنتاً ولا مشقة ولا مضرة ولا نفقة ولا مالاً،وهو يصل بمشورة العقلاء إلى ما لم يبلغه بنفسه، ويصل إلى اكتناه الأمور وعجم عودها ومعرفة ما خفي عليه ودراية غامض،وقد يعزب عنه الحل الصحيح في مشاكله والتدبير المناسب في مصائبه وأنه مهما بلغ من سعة فكره ورجاحة عقله وتجارب حياته وعمق علمه فقد يكون في أمس حاجة إلى استشارة غيره من العقلاء والحكماء في الخلاص والنجاة مما دهمه.

كما قال الشاعر:

 إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن

برأي نصحيح أو نصيحة حازم

إذا بلغ الرأي إلى حد المشورة فعلى الإنسان ألا يستحيي ولا يتكبر عن استشارة أحد من الحكماء حتى يستفيد منها ولا يجعل المشورة عليه ضراراً ولا نقصاناً لأن ريش الخوافي يكون قوة ومعيناً ومساعداً للقوادم.

قال أحد الحكماء إذا شاورت الحازم فكأنك ملكت عقله وصار عقله لك والإنسان قد يكون عاجزاً عن الوصول إلى الحل المناسب والتدبير الأنفع في مشاكله ومصائبه، فليس أمامه في مثل هذه الحال إلا المشورة يأخذها ممن يصلح لها من العقلاء المخلصين والأمناء لأن كل ذي لب لا يصلح للمشورة لذا يجب عليه أن يعمد إلى الأمناء يستشيرهم، وإلى العقلاء يعرض عليهم ما تعقد وتعسر لديه من الأمور.

قد حث القرآن الكريم على المشورة كما قال الله عز وجل “وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ” [آل عمران:159] وقال في موضع آخر: “وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ” [الشورى:38]، وعن النبي صلى الله عليه وسلم “ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم”. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: “ما رأيت أحداً أكثر مشاورة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل “كان سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شق عليهم، فأمر الله رسوله بمشورة أصحابه حتى لا يثقل عليهم استبداده بالرأي دونهم،لأن الفرد قد يخطي في تقدير الأمور وتقويم الحوادث لكن الجماعة لا تخطي في الغالب وهي إذا أخطأت كان خطأهم سهلاً ميسوراً محمولاً، لا يستدعي الهم والغم والندم.

وقد قيل “ما خاب من استخار ولا ندم من استشار” وقد خاطب الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال “فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين أي إذا قطعت الرأي على شيء بعد الشورى فتوكل على الله في إمضاء أمرك على الأرشد والأصلح، فإن ما هو أصلح لك لا يعلمه إلا الله لا أنت ولا من تشاور.

ورب إنسان يقصد إليه الناس للاستشارة منه والاستمداد برأيه إذا صارت ظروفهم سيئة، وسبلهم مظلمة، يتعالى عن الاستشارة بدعوى أنه هو الذي يستشار منه، فما حاجته إلى آراء الآخرين فيما يعرض له من مشاكل، هذا فهم خاطئ لأن المرأ مهما بلغ من سعة الإدراك وعمق الفكر والإحاطة بالأمور، فإن هناك أموراً قد يخطى فيها ولا يتمكن من حلها وتدبيرها وإدراك غامضها فإن هو استعان بآراء الآخرين أمن من السقوط اوالخسران، وضمن لنفسه السداد والصواب وإن لم يستشر من سواه فإن ما يلقاه المستبد برأيه من الخطوات والكوارث وما يعانيه من المصائب والشدائد وما يواجهه من المفاجآت والنوازل وما يحل به من الندم على تقصيره في استشارة غيره لا يحده حد ولا يحصره حساب.

قد يسلك امرؤ مسلكاً يظنه سليماً أو يقوم بعمل يرجو منه الربح الكثير أو يظنه هو الهدف المنشود،وإذا به لا يجد سوى السراب مثلاً قد يقوم المرأ بمشروع رزاعي وقد سبقه زميله في القيام به فيأنف أن يستفيد من خبرته وتجاربه فيما يأخذ أو يدعه فيفشل في مشروعه ويضيع أمواله ولو استشار منه لما أصابه ما أصابه من الفشل والخسارة.

مثل من هم كذلك مثل العين،إنها ترى البعيد والقريب وتستجلي الدقيق من الأشياء وتستشف الخفي وهي مع ذلك تعجز عن ترى نفسها إلا إذا استعانت بمرآة تعكس فيها صورتها وما احتجب عليها منها.

شاور سواك إذا نابتك نائية

يوما وإن كنت من أهل المشورات

فالعين تبصر منها ما دنى وما نأي

ولا ترى نفسها إلا بمرآة

 

 

محمد قيصر حسين الندوي

×